تداعيات الأزمة السورية: مقدمات ونتائج (2 من 2)

c57946307a3b882f9ecb0654a9f5044e
حجم الخط

الاتفاق النووي الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست، والتفاهمات الروسية الأميركية، لم تكن موضع ترحيب من قبل الأطراف الأقليمية في المنطقة العربية، لأن نتائجها لم تتجاوب مع مصالح هذه الأطراف ورغبتها في التوصل إلى نتائج سياسية في العالم العربي مخالفة لما تم الاتفاق عليه بين الروس والأميركيين، فقد لمست الأطراف الإقليمية المتصارعة أن الأتصالات الأميركية الروسية متواصلة خاصة بعد زيارة جون كيري الأولى لموسكو في أيار الماضي، وبعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية منذ بداية شهر تشرين 2015، والعمل على تغيير موازين القوى على الأرض لصالح النظام في مواجهة المعارضة المسلحة، لمست هذه الأطراف وخاصة تركيا والسعودية واستشعرت أن ثمة تحولات في الموقف الأميركي باتجاه التراجع لمصلحة الموقف الروسي المؤيد لنظام الرئيس بشار الأسد. المناخ في المنطقة، من قبل الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة هو التسويات والتوصل إلى حلول للصراعات البينية في ليبيا وسورية واليمن والعراق وتركيز الجهد العسكري نحو مواجهة تنظيمي «داعش» و»القاعدة» الأكثر خطورة، وبعد فشل قوى المعارضة من تحقيق إنجازات على الأرض، باستثناء تدمير قدرات بلادها وتشريد قطاعات واسعة من شعوبها في سورية وليبيا واليمن والعراق وتهجيرهم وتحولوا إلى عنوان لأزمة لاجئين دولية غير مسبوقة. والأطراف الإقليمية الممولة للحروب البينية استُنزفت مواردها المالية بسبب طول فترة الصراع بلا نتائج تخدم مصالحها، وهبوط أسعار النفط الذي لم يعد يُلبي احتياجات مصاريفها العالية، فزاد من أزمتها وأضعف خياراتها السياسية، وباتت بلا بوصلة هادية، ستدفع ثمنه داخلياً في أوقات لاحقة كما حصل في بلدان الربيع العربي، فالذي حمى هذه البلدان من الاحتجاجات والانتفاضة والتغيير هو امكاناتها المالية، وبغيابها أو تراجعها ستؤدي نتيجته إلى انفجار الوضع الشعبي. الهدنة السورية هدنة 28 شباط في سورية، وهي حصيلة التفاهم الأميركي الروسي، فتحت بوابة الجلوس الفعلي على الطاولة لبحث الحل السياسي وإقراره، بديلاً لمنطق الحرب وفشلها، فالهدنة حتى ولو بقيت هشة أو متقلبة أو تخللها خروقات، سيكون النقاش حول كيفية تغيير قواعدها من هشة إلى قوية، ومن متقلبة إلى دائمة، ومن خرقها إلى وقف هذا الخرق، ولن يكون الهدف استثمار الهدنة لتعزيز القدرات العسكرية لهذا الطرف أو ذاك، بل لإنجاز الهدف السياسي بعد الهدنة، فالهدنة محطة ضرورية نحو الانتقال إلى مناخ آخر. لقد أقر التفاهم الأميركي الروسي، عبر قرار مجلس الأمن 2254، وقرار وقف إطلاق النار، بوجود الأطراف المتقاتلة رسمياً. نحو جنيف جنيف ثلاثة، لن يكون مثل جنيف واحد واثنين، بل سيعكس موازين القوى المستجدة على الأرض، وسيعكس الاقرار بوجود الطرفين وبضرورة تفاهمهما وتكيفهما مع بعضهما البعض، النظام مع المعارضة، وليس أحدهما بديلاً عن الآخر، بل أن كليهما ضد معسكر «داعش» و»القاعدة» المتطرف، وهو أمر صعب ولكن واشنطن وموسكو ومعها المبعوث الأممي دي ميستورا يسعون الى اختزال عوامل الزمن لفرض منطق التفاهم والاقرار به وتوسيعه، وهو أمر تحاول الأطراف بلعه أو تسهيل بلعه على نفسها. زيارة أوغلو لطهران زيارة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي إلى طهران يوم 5/3، بداية التراجع السياسي لتركيا عن تطرفها غير المقبول دولياً وغير المفهوم إقليمياً بشأن سورية، وخاصة بعد التفاهم الأميركي الروسي، ولذلك شكل الاتفاق الروسي الأميركي وتفاهماته الأرضية أو أساس التفاوض بين العاصمتين التركية والايرانية، ولن يكونا بالمطلق، ولن يتوصلا إلى ما هو دون الاتفاق الدولي، بل سيكون بداية التراجع الخجل لتركيا عن تطرفها وبداية مساوماتها لتحسين شروط التعامل معها، حتى لا تكون الهزيمة والخذلان البديل عن عنوان برنامجها السابق في إسقاط النظام السوري. الاتفاق المعلن التركي الايراني بالتمسك بوحدة سورية الدولة، اتفاق مهم ويعكس مصالح البلدين لخشيتهما من تداعيات الأزمة السورية السيئة وهي تفكيك سورية، بين العرب والكرد، وبين السنة والشيعة، وبين الكل والجزء الدرزي، وهي حصيلة ليست مدمرة لسورية فحسب، بل هي بداية التدمير القومي والطائفي لكل من تركيا وإيران، فكلا البلدين يحويان تجمعات ومكونات لا تقل تعددية عن سورية والعراق، بل تفوق ذلك، الأمر الذي يدفع بالعاصمتين للتعامل بحذر مع نتائج الأزمة السورية حتى لا تصل إلى بلديهما، وهو تفكيك الدولة التركية بين ثلاث قوميات تركية وكردية وعربية، ومثلها إيران، الأمر الذي دفع بالطرفين الايراني والتركي نحو الاقتراب من الصواب الواقعي، حيث عبرتا عن حرصهما على وحدة التراب السوري، وهو دافع يكمن فيه حرصهما على وحدة تراب بلديهما أكثر من حرصهما على سورية موحدة. زيارة أوغلو إلى طهران لها ما بعدها، ما يشكل نتائج تختلف عما قبلها، وهذا ما سنلمسه عما قريب في تغيير المواقف التركية بالضرورة بما ينسجم أو يقترب من المواقف الأميركية والروسية والإيرانية.