من حق كل انسان أن تكون له هواية غريبة. الهواية الغريبة حسب رأيي هي سؤال الناس الذين هم على صلة بالسلطة الاسرائيلية. من هو الجديّ؟ ومن مِن رفيعي المستوى في الدولة يقوم بعمله بشكل حكيم ومسؤول؟.
قبل بضع سنوات، اثناء حفلة الروضة وجهت سؤالي لشخص مثقف جدا، جاء الى هنا من الشتات من اجل توجيه اقتصاد اسرائيل. زميلي في النقاش، المعروف بمواقفه الحمائمية، صمت وفكر وصمت. ومن ثم ابتسم وقال: مواقف موشيه يعلون تختلف عن مواقفي. لكنه الوحيد في الحكومة الذي يقوم بتحضير واجباته كما هو مطلوب. إن رئيس الاركان السابق لا يتساهل ولا يُزيف. وهو ليس واحدا من الثلة، ولا يقوم بالركض مسرعا كي يروي لهم. فبوغي هو وطني حقيقي يعمل بصمت ومواظبة من اجل الدولة التي يبحث عن مصلحتها.
لم أتفاجأ من السؤال. فأنا أقوم بمتابعة يعلون منذ 15 سنة وأعرف جيدا فضائله ونواقصه. وبمعانٍ كثيرة، يعلون هو شخص استثنائي في المشهد السياسي الاسرائيلي. فهو صلب، ذو معرفة، له موقفه الخاص به، عنيد، يصعب عليه الانكشاف على الجمهور، يصعب عليه أن يكون محبوبا في اوساط الجمهور، لا يعرف الخفّة والصحوبية، وهو جدي الى أبعد الحدود. ولكن خلافاً لهذا التصور، فان يعلون هو شخص إبداعي، يفكر خارج الصندوق، لا يخضع لأية نظرة ايديولوجية أو قبلية، لا يسعى لكسب رضى الآخرين أو الظهور في العناوين. وبالتالي فان نجاحات واخفاقات يعلون هي نتاج تفكير عميق وجوهري.
هذا هو السبب في أن يعلون على مدى فترة طويلة كان مُخيبا للآمال. إنه ليس غبيا أو مسيحانيا أو فاسدا أو عنصريا. فلماذا وجد نفسه بين ياريف لفين وميري ريغف؟ وما الذي يفعله في مركز «الليكود»؟ وكيف أصبح مُخلداً للاحتلال ومدافعا عن المستوطنات؟
الاجابة هي: الفلسطينيون.
إن الصدمة التي عاشها كرئيس للاستخبارات العسكرية في عملية اوسلو، وكرئيس للاركان في فترة الانتفاضة الثانية، جعلته يفقد ثقته بالشعب الجار الذي نتقاسم البلاد معه.
إن عرفات حول من كان رابينيا الى ليكودي. الغضب من الشريك الذي خيب الآمال ومن اولئك الاسرائيليين الذين استمروا في التمسك بالشريك، جعل يعلون يتجه نحو المعسكر القومي.
هناك شيء مهم وجوهري تغير في السنة الماضية وهو أن الوزير المسؤول عن دفيئة الاحتلال بدأ في رؤية البذور التي تنشأ وتنمو في دفيئته.
فالقتل في دوما هز يعلون. والطريقة التي خدعته بها قيادة المستوطنين التي دافعت عن «تدفيع الثمن»، جعلته يخطو رويدا رويدا في اتجاه معاكس للاتجاه الذي سار فيه في العقد الأخير.
صحيح أن الفلسطينيين هم الفلسطينيون والخطر من الانسحاب هو الخطر، إلا أن اليهود لم يبقوا هم اليهود. فالمستوطنون و»الليكوديون» تغيروا.
الخطر الاستراتيجي الجديد الذي يراه يعلون هو الخطر الداخلي.
هجوم اليمين على الدولة وعلى الجيش وعلى الرسمية تحول الى تهديد مركزي على السيادة الاسرائيلية.
وخلافاً لسياسيين آخرين، يعلون لا يهتم بنسبة المشاهدة. لذلك، بعد اطلاق النار من قبل الجندي على الفلسطيني في الخليل، كانت لديه الجرأة على قول ما يجب قوله.
لكن تأثير هذه الاقوال قد يكون بعيد المدى، ودون تخطيط ودون قصد، قام يعلون باحراق جسوره، لهذا لا يوجد مستقبل سياسي حقيقي له في «الليكود» الحالي. الطريق الوحيدة المفتوحة أمامه هي إحداث الانقلاب في «الليكود» أو إحداث انفجار خارج الليكود والعودة إلى طريق اسحق رابين.
عن «هآرتس»