إدارة الأزمات خنقتنا

عبد الناصر النجار
حجم الخط

السنوات العشر الأخيرة مرّت على الشعب الفلسطيني، خالقة أمراً واقعاً، حاولنا خلالها التأقلم السريع مع هذا الواقع... أو بعبارة أُخرى «مسايرة» الأوضاع، وعدم المواجهة الحقيقية. إحدى الإشكاليات في العقد الأخير هي مفهوم إدارة الأزمة أو مجموعة الأزمات التي تعرضنا لها كفلسطينيين وكقضية وطنية تجمدت طرق إيجاد الحلول لها، بل أكثر من ذلك خسرنا كثيراً من النقاط السياسية والأمنية والاقتصادية. أولى إشكاليات إدارة الأزمات هي في كيفية النظر إلى العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، أو النظام السياسي الإسرائيلي وكل الخروقات التي يتعمد القيام بها في الأراضي الفلسطينية، وكأنه يقول إن الحال قائم على معادلة القوة والسيطرة وليس على أي أساس آخر. المسيرة السلمية كما يطلق البعض عليها أو المحادثات السياسية متوقفة، السبب الفلسطيني وراء عدم الاستمرار بالحلقة المفرغة كان عمادُه قضيتي الاستيطان والاعتداءات الإسرائيلية اليومية، ليس في القدس فقط وإنما في كل الأرض الفلسطينية. السلطة حاولت بما تملك من أوراق سياسية وعلاقات دولية التأثير من أجل وقف الاستيطان أو بالحدّ الأدنى الحد منه، وخاصة في المناطق المحاذية للمدن الفلسطينية أو تلك التي تقطع التواصل الجغرافي بين المحافظات الفلسطينية. ولكن بكل أمانة يجب أن نعترف بأننا فشلنا في وقف الاستيطان أو الحدّ منه، والاعتداءات الإسرائيلية تضاعفت في كل المجالات، بل أكثر من ذلك لم تعد هناك قوة في المجتمع الإسرائيلي قادرة على فرملة التوجهات العنصرية وقوننتها. أمام هذا الواقع... كل ما نستطيع عملُه هو إدارة الأزمة... بمعنى الحفاظ بالحدّ الأدنى على العلاقات مع إسرائيل... دون قطعها، وفي أصعب الظروف يمكن التهديد والتلويح بالتعامل بالمثل... أي بما يُعرف عند الفلاحين الفلسطينيين «التهويش» «تهويشنا» هي إدارة فعلية للأزمة، بحيث لا تؤدي عملية «التهويش» إلى مواجهة حقيقية مع إسرائيل في الضفة الغربية، لأننا لا نريد تكرار تجربة غزة، ولأننا لا نريد نتائج الانتفاضة الثانية بما خلّفته من فوضى. على سبيل المثال «هوش» المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني، وتحدث الجميع كثيراً عن هذه القضية، وتراوح الحديث بين قوى معارضة ترى أن نكبة فلسطين في هذا التنسيق وبين أقطاب في السلطة يرون أن في هذا التنسيق مصلحة فلسطينية أيضاً، ولعلّ أبسطها حرية الحركة والتنقل سواء التصاريح، أو بطاقات الشخصيات المهمة... بمعنى أن هناك ما نخسره كسلطة أو كأفراد... مرت أكثر من سنة والسلطة تدير هذه الأزمة دون أن تغرق فيها. ولكن لا مانع من التلويح «والتهويش» كلما سارت الظروف، وتصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية، أو وقع حدث لم تعد أركان السلطة قادرة على غض النظر عنه. إدارة الأزمة لا تقتصر فقط على القضايا السياسية... بل تعدتها إلى القضايا الاقتصادية أيضاً، وأوضح مثال على ذلك المقاطعة الاقتصادية أو المعاملة بالمثل... السلطة الفلسطينية، أو بمعنى أدق الحكومة الفلسطينية، لم تقم بالمطلق على مدار السنوات الماضية باتخاذ إجراءات فعلية، ليس للمقاطعة بمعنى إعطاء الخيار للمواطن أو المستهلك بالشراء أو عدم الشراء، ولكن بمنع البضائع الإسرائيلية من دخول الأسواق الفلسطينية، سوى مرة واحدة على استحياء قبل عدة شهور عندما أوقفت السلطات الإسرائيلية مستحقات السلطة، فتشكلت لجنة المقاطعة برئيس من مركزية حركة فتح ومجموعة من الفعاليات، ودخلت الحكومة كطرف فيها من خلال الضابطة الجمركية... وبعد ضغوط كبيرة تحركت الحكومة وعلى استحياء متعلّلة بالاتفاقات الموقعة للمساعدة في منع دخول بضائع بعض الشركات. ولكن سرعان ما انهارت عملية المنع وعادت المنتجات الإسرائيلية بقوة وأكثر زخماً من السابق في السوق الفلسطينية... وحتى لا نظلم الحكومة نقول إنها اتخذت قراراً قبل أسبوعين بمنع منتجات عدد قليل من الشركات الإسرائيلية، رداً على منع منتجات شركات فلسطينية مشابهة من الوصول إلى الأسواق والمستهلكين الفلسطينيين في إسرائيل أو في القدس المحتلة. وهذا دليل على أننا ندير الأزمة أيضاً دون خلق آليات لمواجهة حقيقية نعتقد أننا سنكون خاسرين فيها. خوفنا من الخسارة... أو لنقل خوف طبقة تشكلت خلال العقد الماضي وترتبط بمصالح اقتصادية وسياسية مشتركة من نتائج هذه المواجهات... ونرى في إدارة الأزمة أفضل الحلول المطروحة. قد تكون مصالح معينة ترغب في استمرار إدارة الأزمات... ولكنها عملية خنقت الشعب الفلسطيني حتى قارب على الانفجار!!!