أربعة عوامل دفعت العلاقات المصرية السعودية، كي تكون مبنية على الضرورة وعلى المصلحة، وجعلت مضمونها كما سماها الرئيس السيسي على أنها «شراكة إستراتيجية» وهي كذلك، ليس فقط بسبب خصوصية العلاقة الثنائية، بل بسبب حجم التحديات غير المسبوقة التي تواجه البلدين ما يفرض عليهما ويتطلب مواجهتها تحالف متين بين القاهرة والرياض أملتها عوامل مفروضة على العاصمتين، ولذلك وُصفت زيارة العاهل السعودي للقاهرة في الفترة الواقعة بين 7 إلى 11 نيسان وما أسفر عنها على أنها نقطة انطلاق لمعالجة أزمات المنطقة العربية وخاصة نحو اليمن وسورية وليبيا وفلسطين، وكما قال العاهل السعودي، «اتخذنا قراراً ضد محاولات التدخل في شوؤننا الداخلية، وتضامنا معاً عبر تحالف لمحاربة الإرهاب»، وهو بذلك اختصر هدف الزيارة التي شملت التوقيع على 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات الكهرباء، والإسكان، والطاقة النووية، والزراعة، والتجارة، والصناعة، وترسيم الحدود البحرية وتجنب الازدواج الضريبي، وتبرز من ضمنها بشكل خاص تطوير منطقة وسكان شبه جزيرة سيناء من خلال مشاريع سكنية وزراعية وشبكة طرق وبناء جامعة ووصل مصر بالسعودية بجسر بري، تباهى العاهل السعودي ووصفها على أنها «خطوة تاريخية، ونقلة نوعية غير مسبوقة». وعوامل الضرورة والمصلحة بين العاصمتين يمكن اختصارها بالأربعة التالية: أولاً: يخوض نظام الرئيس السيسي بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي العام 2013، حرباً سياسية وفكرية وميدانية ومواجهات صدامية مع حركة الإخوان المسلمين ونشاطاتها، الأمر الذي يحتاج إلى إسناد خارجي لإعانته على مواجهة الصعوبات التي تواجهه، والعربية السعودية لها مصلحة في إسناد خيارات الرئيس المصري، حيث تجد أن حركة الإخوان المسلمين هي أحد مصادر القلق لنظامها السياسي أيضاً. ثانياً: تخوض العربية السعودية حرباً شرساً ضد أحزاب ولاية الفقيه وخاصة حزب أنصار الله اليمني و»حزب الله» اللبناني وامتدادهما في بلدان الخليج العربي، وهي بحاجة لرافعة سياسية لتأدية هذا الدور الذي يشكل الخطر الأول وفق رؤية الرياض على نظامها السياسي، وتجد في القاهرة الرافعة السياسية المطلوبة. ثالثاً: كلاهما، مصر والسعودية، تواجهان حرباً دموية ضد تنظيمي القاعدة و»داعش»، وتجدان أن الأهمية في التلاقي بينهما والتنسيق معاً لمواجهة تحديات القاعدة و»داعش» وإحباط مشاريعهما المتطرفة ضد النظامين السعودي والمصري، ضرورة ومصلحة مهمة لها الأولوية عندهما وفي برامجهما. رابعاً: تجد كل من القاهرة والرياض، أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية، قد غيرت بوصلتها واهتمامها من إعطاء الأولوية للعالم العربي لما يحويه من مصادر الطاقة وأمن إسرائيل ومحاربة الإرهاب والسوق والمال العربي، حيث تجد واشنطن أن هذه العوامل لم تعد مهمة بالقدر الكافي ولذلك وضعت لنفسها ومصالحها أولوياتها وفق الترتيب التالي: 1 - أورويا، 2- جنوب شرقي أسيا، 3- دول أميركا اللاتينية، 4- بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، وبالتالي لم يعد العالم العربي من أولوياتها وقد انعكس ذلك على تفاهماتها مع كل من روسيا وإيران، ما سبب إزعاجاً وقلقاً لدى الرياض والقاهرة نحو دوافع تغيير السياسات الأميركية، ما جعل العالم العربي عُرضة للتطلعات الإيرانية التوسعية وتطلعات حركة الإخوان المسلمين في الوصول إلى مؤسسات الحكم كما حصل في مصر وتونس وليبيا وغزة وسورية. وهذا التحول في السياسات الأميركية أربك الرياض ومعها القاهرة، وأفقدهما مظلة كانتا تعتمدان عليها لمواجهة خصومهما، ولكن الاشتراطات الأميركية لمسؤولي البلدين، نحو العصرنة والديمقراطية والانفتاح، لم تستطع كل من القاهرة والرياض وباقي المنظومة العربية الحليفة للولايات المتحدة، الاستجابة لها، ما أوجد فجوة في التفاهمات الأميركية العربية دفعت الرئيس أوباما لتوجيه انتقادات علنية غير مسبوقة للنظام العربي الحليف، وأرفق ذلك بالتفاهم مع إيران والتوصل إلى الاتفاق النووي معها والإفراج عن مستحقاتها المالية المحتجزة، بعد إلغاء قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ العام 2006 وهي القرار 1696، و1737، و1747، و1803، و1835، و1929، وأخيراً القرار 2224 الصادر العام 2015، وجميعها كانت تستهدف فرض العقوبات على إيران ومحاصرتها اقتصادياً، ولذلك دفع التحول في الموقف الأميركي كلاً من القاهرة والرياض في البحث عن خيارات بديلة ووجدتا في طليعتها الاعتماد على الذات الذي ولدّ اتفاق الشراكة الاستراتيجية بينهما. ويمكن القول إن العوامل الضاغطة على مطبخي صنع القرار المصري السعودي، شكلت الحوافز القوية التي دفعت البلدين لقطع شوط مستعجل نحو التوصل لاتفاقات مختلفة تفرغ لها المختصون أشهراً منذ إعلان بيان القاهرة يوم 30 حزيران 2015 في أعقاب زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، الذي يعتبر المهندس المبادر للسياسات السعودية. وفي قراءة لرصد تطور العلاقات بين القاهرة والرياض نلحظ في عهد الرئيس محمد مرسي أنها اقتصرت على لقاءين فقط بين مسؤولين سعوديين ومصريين، بينما وقع 14 لقاء العام 2014 بعد الإطاحة بحركة الإخوان المسلمين، ليرتفع إلى 19 العام 2015، وإلى ستة لقاءات خلال الرابع الأول من العام 2016 لتتوج بزيارة الملك سلمان التي ضمت 80 مسؤولاً سعودياً، من بينهم 18 وزيراً و25 أميراً إضافة إلى عدد واسع من المستثمرين ورجال الأعمال والصحافيين، ما يعكس حجم الرهان السعودي على الزيارة ونتائجها وعلى مستقبل العمل المشترك مع المصريين.