منذ خلال سنوات أعتقد (وأحذر) بأن جزءاً من عمل «الشاباك» يضر بأمن دولة اسرائيل، خاصة الضغط المبالغ به على السكان وقتل من هم ليسوا «قنبلة موقوتة». احاول تأكيد ادعاءاتي بالحقائق والامثلة، ضمن قدراتي على جمع المعلومات وفي ظل الرقابة. كل ما فعلته انا وآخرون، من اجل ان يقوم «الشاباك» باختيار مسارات اخرى جديدة، يتقزم امام شهادة يزهار دافيد، رجل «الشاباك» سابقا والذي ألف كتاب («قنبلة موقوتة، قصة رجل شاباك») والذي جاء بشكل مفصل وموثق بمستوى قضائي تقريبا، ومن جهة ثانية فانه وثيقة حول تدهور شخصي لدرجة الانهيار النفسي خلال الخدمة. ليست لديّ فكرة حول ما حصل خلال الاحاديث حول الكتاب، بين يزهار دافيد وبين شخصيات رفيعة في الماضي والحاضر، لقد منعه «الشاباك» من التحدث معي، هذا واضح. المحطة الثانية حصلت على اذن لاجراء مقابلة معه، بعد أن أثبتت المحطة نفسها كمحطة بيتية لـ»حتى هنا». وكالة تحقيقات منحازة لليمين. لقد اعتقدت ان دافيد في كتابه سوف يشذ عن دائرة جنون روحه المعذبة، ويحاول فحص افعاله وسياسة «الشاباك» برؤية أوسع لأمن اسرائيل. لقد أثبت الشخص نفسه، خلال الخدمة، كشخص يستطيع الشذوذ عن الروبوتية في «الشاباك»، أي عدم تقديس ما يقوله المسؤول. لقد توقعت أن يقوم على الاقل ببحث مسألة التصفيات التي قضت على «التمرد الفلسطيني». لقد اثبتت سياسة «قص العشب» نفسها في قمع الطموحات القومية الفلسطينية، أليس من الصحيح أخذ الحالة الشخصية له كدليل على السياسة التي فشلت؟ يكتب عن نفسه في القصة من خلال شخصية ألون: «رغم عشرات العمليات التي أشرف عليها، والتي ادت الى اعتقال نشطاء ارهاب، اثنين واحيانا ثلاثة في الاسبوع، يبدو أن الحديث يدور عن بئر بدون قاع، حيث يزداد عدد النشطاء باستمرار، بعد كل تصفية كان ينضم العشرات الى المنظمات الارهابية. أكثر من مرة كان يحصل على معلومات حول مكان تواجد مطلوب، ولم يحصل على القوة المستعربة لتنفيذ الاعتقال. عملت القوات المستعربة بدون توقف ايضا في اماكن اخرى. احيانا كانت تقضي أياما كاملة بالقرب من الشخص الذي سيتم اعتقاله. حين فهم دافيد الون انه لن يتم القضاء على «الارهاب» بهذه الطريقة، اقترح اجراء تغيير: «بدلا من تحديد هدف واحد فقط في كل عملية، كما يتم حتى الآن، يجب وضع عدة اهداف» وقد نجح هذا، تم تثمينه وترفيعه، الا ان «العدد الكبير للاهداف التي اعطيت للقوة المستعربة، وعدم الوضوح بالنسبة لنقاط الاعتقال، ادى الى أن جزءا من العمليات قد انتهى بالقضاء على الهدف بدلا من اعتقاله. كان رده في تلك الايام، حين كانوا يحدثونه عن القتل بدلا من الاعتقال: «ابتسم الون ابتسامة لا ارادية، محاولا عدم ملاحظة أحد لهذه الابتسامة. بالنسبة له كانت هذه هي احدى مميزات الطريقة». لا أفهم كيف أن دافيد يكتب عن ذلك بشكل علني. يبدو أنه لا يفهم ما يترتب على ذلك من الناحية القانونية الدولية. وحتى لو فرضنا أنه لا يمكن عمل ملف عن فقرة خيالية في كتاب شاب يعاني من مشكلة نفسية، فما زال الاعتراف بمثابة مراجعة للنفس، سواء في «الشاباك» أو في المجتمع الاسرائيلي. «قوة المستعربين»، كتب دافيد، «كانت تعود في نهاية العمليات من غير احضار الهدف المطلوب اعتقاله، تاركة جثته وجثث آخرين ممن كانوا معه...». في البدء كان يشعر بمشاعر الانتقام والاكتفاء. ومع مرور الوقت أصبح غير مبال. فقد فهم أن هذه الطريقة لا تريح النفس المريضة». وفي السياق ترفع في المناصب والرتب والآن هو يجلس أمام شاشة البلازما ويأمر بتنفيذ العمليات: «أعطيت ثمانية أهداف لقوة المستعربين. الاول كان شابا يبلغ 22 سنة، أعلن عن نفسه رئيساً للتنظيم بعد أن قُتل أو تم اعتقال أسلافه. ألون لم يفهم كيف أن هناك طلبا على لعب دور نهايته معروفة مسبقا وهي الموت أو الاعتقال... سيارة المستعربين وصلت الى المفترق الذي كان يوجد فيه خالد، وهو محاط بشباب آخرين. وقد جرت مواجهة وفي نهايتها كانت النتيجة ست جثث اضافة الى جثة خالد». عندما وصل الى الساحة «نظر الى الجانب ورأى جثتين صغيرتين. في البدء أزاح نظره كي لا يرى المشهد، لكن شيئا داخله لم يسمح له تجاهل الجثث الصغيرة الملقاة. فذهب ورأى جثثا لاولاد صغار، بالكاد اعمارهم 12 سنة. شعر بالاختناق ولم يستطع ازاحة نظره عن الجثث الصغيرة. وتفطر قلبه من الألم وسمع صرخة تتدحرج داخله وتمزق روحه. إنهم مجرد اولاد، وهم ليسوا اولاداً عاديين. كانت اجسامهم مثقوبة بكثير من الرصاص. دم هؤلاء الاولاد وصورة جثثهم ستستمر بمرافقته وتعذيبه. وقد بدأ، مؤخراً، يفهم أنه ينهار وأنه بحاجة الى المساعدة». وبدون أي صلة بالقصة وبدافيد، في آب 2014 تم تحديد مكان محمد ضيف. وقد تم قصف البيت، وقد قُتلت زوجته وابنته وابنه الرضيع. وضيف ما زال معنا، حتى لو كانت التصفية ستنجح فإن ضيفاً جديدا سيأتي وهو ايضا مع زوجته وابنه وابنته كانوا سيقتلون لأن الامر دائما على هذا الشكل. وهذا ما أثار جنون بطل الكتاب. لقد قرر الاستقالة قبل خضوعه للعلاج. إلا أنه متردد: «رفض الفكرة على الفور، وحتى لو قلت إنك ستغادر غدا فان «الشاباك» سيعارض ذلك وسيقضون عليك أو يقومون بوضعك في مستشفى الامراض العقلية حتى لا تقول أي شيء عما تعرفه». أعتقد أن هذا جزء من الهوس النفسي، لكن الكتاب تم تأليفه بعد سنوات. وهو شخصية تعليمية ناجحة لها مكانتها. صحيح أن الروح تغلي لكن الرأس أقل سخونة. حينما يقوم بالجدل مع الطبيبة النفسية التي حاولت تقديم العلاج له، قال لها: «خلال عشرات المرات في خدمتي في (الشاباك) وقفت أمام قرارات كان لي فيها خياران. الاول هو اختيار الطريق السهلة والجيدة بالنسبة لي. أو الطريق الصعبة والخطيرة بالنسبة لي، لكنها أفضل لشعب اسرائيل. ولم أتردد للحظة وكنت أختار دائما الطريق الصعبة والخطرة بالنسبة لي، لكن الجيدة لشعب اسرائيل. من يخافون مثلك رأيت مثلهم في (الشاباك)، وهذا يكلف شعب اسرائيل سفك الدماء. وفي حالتينا، المسألة هي عبارة عن سوء فهم». حتى لو كان دافيد استعد ليكون ضحية مثل دجاجة ذبحت بسبب ما فعله هو واصدقاؤه، فالذي ما زال ينقص هنا هو الانتقال الى اصلاح ما هو خاص لديه، محاسبة النفس. والاصلاح التنظيمي أمام «الشاباك» وكذلك الاصلاح القومي أمام سياسة الحكومة التي توجه «الشاباك».