عشية الكلاسيكو الإسباني الذي جرى بداية هذا الشهر كتب أحد المدوّنين من الشباب الفلسطينيين في قطاع غزة جملة ذكية حين قال: «إن إسبانيا تناشد رعاياها في القطاع ضبط النفس».
في تلك الأمسية خلت شوارع غزة من الحركة إلاّ قليلاً، ذلك أن الكثير من الناس ومن مختلف الفئات العمرية، يجدون لأنفسهم مكاناً في منزل أو فندق أو كافتيريا للاستمتاع بوقائع المواجهة بين أكثر النوادي شهرة في العالم، ريال مدريد وبرشلونة.
الطريف أن بعض المساجد وفرت الإمكانيات لمتابعة اللعبة لمن لا يجد له مكاناً، أو يفتقر للإمكانيات المادية. ربما لم يدرك الشاب المدون، أن رام الله أيضاً تشهد الاهتمام ذاته لا فرق.
الفارق الوحيد بين متابعي المستديرة، هو سهولة الوصول إلى مكان مناسب في رام الله بينما في غزة يترتب على المتابعين أن يجدوا السبيل للتغلب على انقطاع التيار الكهربائي.
على كل حال يلفت النظر أن الكافتيريات، تشكل مظهراً فاقعاً في القطاع كما هي الحال في رام الله، فبين كافتيريتين تقع ثالثة والكثير منها لا تقتصر خدماتها على تقديم المشروبات الساخنة والباردة والنرجيلة، فدخلت على خطوط المطاعم.
لا تقتصر المتابعة على الكلاسيكو، بل أصبحت المستديرة تستحوذ على اهتمام الناس بصورة دائمة، تتنقل بين الدوري الإسباني والإنكليزي والفرنسي والألماني والإيطالي، ومن مباريات الدوري إلى دوريات الأبطال.
قد يبدو الأمر على أنه شكل من أشكال الميل نحو التحضر، ولكن الأساس هو أن الناس تبحث عن طريقة لملء الفراغ، أو الهروب من الواقع.
على أن المسألة تنطوي على أبعاد أخرى، فثمة في الأمر تربية عميقة.
من المهم أن يتعلم الناس كيفية التعامل مع الخلافات، حتى في حال وجود التعصب لدى عشاق الكرة.
عشاق الكرة الذين يملؤون الملاعب، وتشاهد بعضهم يذرفون الدموع، يتفرقون خلال دقائق، بعد أن تنفض المباراة، دون أن تقع أي مشاكل.
زرت صديقاً من المناضلين القدماء، فوجدته يشكو من فراغ قاتل، على الرغم من أنه تابع دراسته الجامعية حتى حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد غير أن أحداً حتى من أبنائه لا يخطر بباله أن يذكره بحصيلة علمه كأن يناديه بالدكتور مثلا.
في زمن مضى، كان المناضلون يصلون الليل بالنهار تغمرهم قناعة عميقة، بأنهم كلما قدموا أكثر، وتعبوا أكثر وناضلوا أكثر اقترب الحلم.
كان الحلم كبيراً، لكن الحلم الكبير انزوى في اللاوعي محكوما لقدرية دينية أو تاريخية، فيما تلاشت الأحلام الصغيرة حتى بالكاد يمكن أن تحددها.
الأحلام الصغيرة اصبحت فرصة عمل، أو فرصة سفر، أو تحسين جدول التيار الكهربائي، أو الحصول على تصريح لزيارة الأقارب في الضفة، أو بناء غرفة.... ثمة من يفكر بالنيابة، ويقرر بالنيابة، ويصيغ حياة الناس بالوكالة، ويوفر للناس فرصة البحث عن سبيل للتلهي في أوضاع لا تنطوي على خيارات كثيرة، فتكون الرياضة هي الحل.
في صراع الفرق الإسبانية ثمة دروس أخرى مهمة. لقد خرج نادي برشلونة الأكثر شهرة من سباق دوري أبطال أوروبا، وكان ذلك خارج التوقعات.
الفريق الذي يضم أشهر اللاعبين خسر ثلاث مباريات متتابعة، منها اثنتان في اطار الدوري الإسباني أدت إلى تقليص الفارق بينه وبين منافسيه ريال مدريد، وأتلتيكو مدريد إلى نقطة أو نقطتين بعد أن كان الفارق سبع نقاط وثماني.
اتلتيكو مدريد أطاح بأحلام برشلونة في الوصول إلى نصف نهائي دوري الأبطال، يثير هذا الفريق الإعجاب، فبالرغم من أنه يخسر أشهر لاعبيه في مزاد البيع، من اغويرو، إلى دييغو كوستا وآخرين إلاّ أنه يتميز بالقوة والصلابة والإرادة.
يستمد الفريق قوته من قوة شخصية مدربه، سيموني، الذي يبدو عليه أنه مقاتل شرس، يركز جهده على رفع معنويات اللاعبين، وزرع الثقة في نفوسهم وتأهيلهم بدنياً، وهو فوق هذا يدرس طريقة لعب الفرق المنافسة، ويعتمد خططه بناء على دراسة نقاط ضعف وقوة الخصم.
من فريق عادي إلى فريق منافس قوي شق النادي طريقه في الدوري الإسباني، ودوري الأبطال، حتى أخذ يشكل عقدة للفريقين الأشهر ريال مدريد وبرشلونة واحتل صفة أحسن دفاع.
بالمقابل خسر برشلونة فرصه، وسقط صاحب الهجوم الأقوى المعروف بـ (ام اس ان) إشارة إلى ميسي، سواريز ونيمار.
في البحث عن أسباب تراجع برشلونة، الذي حصد في العام الماضي خمس كؤوس إسبانية وعالمية، وفيه ميسي الذي حصل مرات عديدة على لقب أفضل لاعب في العالم، ونال الكرة الذهبية، في البحث عن أسباب هذا التراجع المريع، تتجه الأنظار نحو المدرب الباهت انريكي، الذي كان لاعباً غير مرموق في نادي برشلونة ثم تحول إلى مدربه.
في بعض المرات يعود الفشل إلى كيفية اختيار اللاعبين، تحت ضغط الحاجة لإراحة بعضهم، وفي أحيان أخرى بما يعكس الاستهتار بالخصم.
لكن المشكلة الأساسية هي أن الفريق يلعب وفق خطة ثابتة معروفة للخصوم والمنافسين، إذ تقتصر محاولات التسجيل على اللعب داخل خط الثمانية عشر.
إذا كانت ميزة الفريق هي اللعب الجماعي ودقة التمريرات والاحتفاط بالكرة فإن نقاط ضعفه تكمن في أنه الأقل استفادة من الركنيات، وعدم التدرب على التسجيل من خارج خط الثمانية عشر، وضعف التعامل مع المرتدات بالإضافة إلى هجوم قوي ودفاع متواضع.
المرجح ان انريكي لا يتعب نفسه كثيراً في التعرف إلى خطط المنافسين، وإجراء التغييرات اللازمة للتعامل مع نقاط قوة وضعف الخصم، ولذلك تقع الأخطاء.
هذا ليس مقالاً سياسياً لكن فيه الكثير من السياسة ليس أقلها أنني مثل غيري، نشكو من فقدان توظيف الكفاءة.