«حماس».. يد على التهدئة وأخرى تدفع نحو التصعيد

thumb
حجم الخط

سكان الجنوب، وليس هم فقط، تخلصوا من البلبلة في الأيام الأخيرة بسبب حملة التصريحات التي نزلت عليهم في وسائل الاعلام الاسرائيلية عن مستقبل "حماس". فقد أفادت المعلومات عن تسارع التسلح لدى الذراع العسكرية وزيادة عدد النشطاء ونوعية الصواريخ التي تملكها، والتي تستطيع تحويل الذراع العسكرية، بقيادة محمد ضيف، الى "دولة داخل دولة" في "حماستان" داخل قطاع غزة – ذراع عسكرية تعمل حسب اعتباراته واعتبارات قائده دون مراعاة القادة السياسيين أو الانصياع لهم.
في المقابل، سارع رفيعو المستوى في الجهاز الامني الاسرائيلي الى تقديم السطر الاخير الذي يقول إن "حماس" ما زالت تلتزم بالحفاظ على الهدوء على طول الحدود، كما فعلت في الاشهر الطويلة التي مرت منذ "الجرف الصامد"، وتوجهها ليس الى المواجهة بل التهدئة واستمرار بقاء سلطتها في القطاع.
في الميدان ذاته يستمر التوتر على الحدود. هذه ليست حدوداً هادئة كما عرفنا في هضبة الجولان عشية الحرب في سورية، وايضا بالمقارنة مع الحدود الشمالية في العقد الماضي منذ حرب لبنان الثانية. الخطوط الحدودية وأكثر من ذلك شروط اللعب بين اسرائيل و"حماس" غير واضحة وغير متفق عليها. وبين الفينة والاخرى تحدث أحداث عنيفة – سواء أكانت مظاهرات فلسطينية على الحدود أم محاولات اقتحام. وفي النهاية تعمل "حماس" من اجل تقوية قدرتها العسكرية بما فيها شبكة الانفاق. وفي المقابل يعمل الجيش الاسرائيلي على الحدود وأحيانا وراءها ضد هذا.
لا شك أن لحكومة "حماس"، خلافا لجيش "حماس"، مصلحة واضحة في الامتناع قدر الامكان عن التصعيد والتدهور الى مواجهة اخرى. فقطاع غزة لم يستيقظ بعد من المواجهة السابقة في صيف 2014، فخلافا لـ"حزب الله" في لبنان لا توجد جبهة داخلية لـ"حماس"، ومصر ايضا تعادي "حماس" وتسعى الى القضاء عليها.
راعيتا "حماس"، قطر وتركيا اللتان، هما سنيتان معتدلتان ومعاديتان لايران، وفي الوقت ذاته تجريان الحوارات مع اسرائيل. المصالحة التركية - الاسرائيلية المتوقعة في أي لحظة تساهم ايضا في تهدئة "حماس". وأخيراً، خلافا       لـ"حزب الله"، الذي اقنع اللبنانيين بأن الابقاء على المواجهة مع اسرائيل لا يضر باعمار لبنان وبالحياة اليومية، فان كل فلسطيني يعرف أن الطريق لاخراج غزة من الوحل الذي تغرق فيه تمر بالقدس وتستوجب الحوار والتفاهم مع اسرائيل.
في المقابل، "حماس" ليست تنظيما هرمياً مع سيطرة كاملة لقادته على جميع الاعضاء والمقاتلين. لاعتبارات سياسية داخلية فلسطينية، تضطر "حماس" الى التسليم بوجود مجموعات اخرى مثل "الجهاد الاسلامي"، الذي توجد له اعتباراته وحساباته الخاصة. هذا الضعف يسبب المشكلات ويخلق وضعا تكون فيه "حماس" تريد التهدئة من جهة وتنجر نحو التصعيد، أو على الاقل التوتر على طول الحدود، من جهة اخرى.
في نهاية المطاف، تحدث مواجهة كل سنتين أو ثلاث على الحدود، لا أحد يريدها أو يتوقعها. لكن للميدان قواته وديناميته.
واضافة الى كل ذلك لا يمكن الفصل بشكل كامل بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، حيث تحافظ "حماس" على الهدوء في حدود القطاع، لكنها تعمل في "يهودا" و"السامرة" على اشعال "المناطق" وتأجيج الاوضاع واشتعال الحريق، الأمر الذي سينقل الحريق الى غزة ايضا.
سياسة اسرائيل تجاه غزة يجب أن تكون متداخلة: من جهة تعزيز الردع الاسرائيلي، اضافة الى التقدم الاقتصادي للقطاع بشكل يضغط على قادة "حماس" من قبل الشارع الغزي للحفاظ على التهدئة والاستقرار، الامر الذي تلتزم به قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة. ومن جهة ثانية مطلوب عمل شجاع ومصمم ضد تسلح "حماس". وفي الوقت ذاته الاستعداد للمواجهة اذا اندلعت بشكل يضمن أن لا تستمر خمسين يوما، بل تنتهي خلال ساعات أو أيام معدودة.