اتـسـاع الـهـوّة بـيـن أمـيـركـا وإسـرائـيـل

014098315651_2012718_26744
حجم الخط

قبيل عيد الحرية الذي نحتفل فيه بالخروج من مصر ونتباهى باستقلال سياسي مزدهر، من المثير للاهتمام الانتباه إلى أي درجة يتنكر الإسرائيليون لواقع أن هذا استقلال محدود الضمان. فإسرائيل دولة مستقلة وذات سيادة، ومعجزة فعلا، يفعل فيها اليهود كل شيء بأنفسهم، ـ الأمن، السجن، الفساد، والتطوع ـ لكن اعتمادنا بالمستوى السياسي على الولايات المتحدة كان ولا يزال الحجر الأساس في علاقاتنا مع العالم.
والجهل المعروف لدى معظم مواطني إسرائيل للعلاقة المهمة والمثيرة مع الولايات المتحدة يسمح لنا بانعام النظر بشكل شبه مسل في الانتخابات الأميركية، وإبداء الغضب من أوباما، والاستهزاء بسذاجة الأميركيين، وتجاهل الهوّة التي تزداد اتساعا بيننا وبينهم. وقبل لحظة من الغوص في منظومة العلاقات هذه من المهم لنا أن نقول أن الأرقام لا تكذب: وهي تظهر استقرارا بل وارتفاعا في نسب تأييد الرأي العام الأميركي لإسرائيل، خصوصا في مواجهة الفلسطينيين، وهي تدور حول الـ70 في المئة. والمشكلة الأساسية التي تواجهنا هي أنه في صفوف الديموقراطيين الليبراليين ـ أي النخب ـ طرأ تراجع.
إذاً، بالوسع الشخير باحتقار تجاه الميل والقول إن من الأفضل لنا التركيز على الحزام التوراتي لدى الأغلبية البيضاء المحبة للمسيح واليهود، وليس على المحاضرين المثيرين للغضب ورجال السياسة المسالمين في واشنطن. ولكن ينبغي لنا أيضا أن نفكر كيف نوقف هذا الانزياح، وأن نأخذ بالحسبان العواقب الناجمة عنه. لأن النخب، هناك مثلما هنا، تدير العلاقات والإدارات، وبات الشعور لديها بأن إسرائيل غدت نوعا من المزعجين الضارين.
خذوا مثلاً الشأن السياسي المركزي الذي يواجه رئيس الحكومة، المفاوضات على المساعدات العسكرية الأميركية للعقد المقبل. فوزير الدفاع موشي يعلون والمسؤولون في وزارته يتحدثون عن الاحتياجات، لكن بنيامين نتنياهو لا يسافر للولايات المتحدة لأن لديه مشكلة. والمشكلة سياسية. نتنياهو حدد لنفسه هدفا لا يمكن تحقيقه. في أحاديث مغلقة بشكل أو بآخر يتحدث عن زيادة كبيرة في المساعدات. وتبلغ المساعدات حاليا 3.1 مليار دولار سنويا، وسويا مع زيادات خاصة مثل تمويل «حيتس»، و«عصى الساحر» و «القبة الحديدية» والحلول التكنولوجية للأنفاق، فإنها تصل إلى 3.6 مليار دولار. وهذا يعني أن الإدارة الأميركية مستعدة لدفع حوالي 34 مليار دولار في العقد المقبل، وهذا يعني تجميد الوضع الحالي بشكل أو بآخر. نتنياهو تحدث عن أن بوسعه الحصول على 50 مليار دولار. منذ ذلك الحين يلمح أو يعطي الانطباع بأن كلامه لم يفهم كما ينبغي، لكن هذا هو الانطباع الذي نشأ. وهذا خلل إستراتيجي، لأن أي مبلغ سيتفق عليه ويكون أقل من ذلك سيعتبر فشلا.
ونتنياهو يحب تحقيق الانتصارات، لذلك فإنه ينتظر أن تنضج المفاوضات. وهو يقول إنه يرغب في التوصل إلى اتفاق مع باراك أوباما، لكنه ليس واثقا أن هذا صواب. ويخشى رئيس الحكومة على وجه الخصوص من خطوة سياسية لأوباما في الأشهر الأخيرة من ولايته، من تشرين ثاني إلى كانون ثان. وعندما يغدو واضحا من هو الرئيس الجديد ويكون أوباما لا يزال في البيت الأبيض، ولا تعود لديه حسابات سياسية. ويتحدثون عن سيناريوهات مختلفة لقرار مجلس الأمن الدولي، مع معايير للتسوية مع الفلسطينيين، ربما مع خطاب رئاسي.

معسكر ترامب
وما يخيف نتنياهو هو الصلة بين المال والجرأة السياسية لأوباما. فكلما كانت الإدارة الأميركية سخية في تقديم أموال المساعدة كان بوسعها أن تسمح لنفسها أن ترفس بقوة المؤخرة السياسية لرئيس الحكومة. فمن بوسعه أن يقول شيئا ضد رئيس قدم 45 مليار دولار لأمن إسرائيل؟ وهكذا فإن نتنياهو يدير مفاوضات من منطلق خشية سياسية مبررة. وهناك حتى من يزعمون بأن نتنياهو لا يريد أن يبرم اتفاقا مع أوباما لأنه غير معني بأن يمنحه مشروعية دعم إسرائيل بعد الاتفاق النووي مع إيران ومن أجل أن يخلق نزعا إسرائيليا لشرعية أي خطوة سياسية يقدم عليها، بحيث يظهر الأمر وكأنه شأن شخصي، غير جوهري وغير مقبول.
ولا ينسى نتنياهو الصفعة الأقوى التي وجهها رونالد ريغان المحبوب والجمهوري لإسرائيل ـ الاعتراف الأميركي بمنظمة التحريرـ في الأشهر الأخيرة من ولايته. ويمكن لأوباما أن يكون ليس أقل إبداعا من سلفه. وبوسعه أن يعود ليقول إنه ومن دون صلة بالمفاوضات، ينبغي تفكيك المستوطنات. كما بوسعه أن يتحدث عن تقسيم أو القول إن الدولة اليهودية ليست أكثر من نزوة.
وعلاوة على ذلك: سيبقى أوباما شخصية بالغة النفوذ في السنوات القريبة. فهو شاب، مجتهد، وهو الرمز الجديد واللامع للمعسكر الليبرالي في الولايات المتحدة. وسوف يؤثر على الانتخابات الداخلية لدى الديموقراطيين وعلى انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، ولن يبقى مرشحا لا يطمع في نيل مباركته ودعمه. وإذا جلست هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، فإنه سيغدو ناشطا جدا، كمبعوث خاص أو مجرد مستشار أو لاعب من خلف الكواليس، إذا أراد ذلك. وهكذا فإن العداء الشخصي والفجوات الأيديولوجية لن تتبدد مع نهاية العام.
وربما أن هذا هو السبب وراء توق أغلب الإسرائيليين رؤية شخص آخر في البيت الأبيض، ومثل أميركيين كثيرين فإنهم وقعوا في سحر دونالد ترامب. فمقاربته المعادية لاوباما ربما يمكنها أن تفسر واقع أن المرشح الجمهوري الأقرب في مواقفه إلى نتنياهو واليمين، تيد كروز، لا ينظر إليه كالمرشح الأفضل بالنسبة لإسرائيل. وبعيدا عن ذلك: في إطار استطلاع لصندوق كيرن رودرمان الذي اهتم بمواقف الإسرائيليين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، تم سؤال المستطلع رأيهم بشأن من هو المرشح الأكثر موالاة لإسرائيل. فنال ترامب 33 في المئة، مقابل 31 في المئة لهيلاري كلينتون و6 في المئة لكروز وفقط 5 في المئة لساندرس.
وترامب هو المرشح الأبرز في مناهضته لأوباما، لكنه ليس بالتأكيد الأكثر موالاة لإسرائيل. كما أنه الشخص الذي لا يمكن توقعه. فهو يزعم أنه مفاوض عنيد، وأنه سوف يحقق السلام في الشرق الأوسط خلال نصف عام. تخيلوا ترامب يلتقي مع نتنياهو بعد عام ويقول له بمودة: «يا نتنياهو، خذ 60 مليار دولار للعقد المقبل ولكن عليك أن تخرج من المناطق خلال شهرين. هل تقبل؟» ماذا سيفعل رئيس الحكومة؟ لأن ترامب يمكنه حينها أن يقول أيضا: إذا رفضت فلن تنال المساعدة.
وفي العموم، لا يميل الرؤساء الأميركيون إلى أن ينثروا بسهولة كبيرة الأموال في العام الأول لولايتهم. إذ ينبغي للرئيس المنتخب أن يفي بوعوده. وهذا يضاف إلى الشعور العام بالغضب، ليس فقط في صفوف الديموقراطيين، بسبب أن إسرائيل تتصرف بنكران جميل تجاه الولايات المتحدة. وأنها لا تعرف أن تقول شكرا، كما أنها لا تثني على أحد. اسألوا كوندليزا رايس وجورج بوش، أو اليهود في الولايات المتحدة. فمن استطلاع صندوق كيرن رودرمان يظهر أن 84 في المئة من الإسرائيليين ينتظرون من يهود أميركا أن يتجندوا من أجل إسرائيل، لكن 53 في المئة فقط يظنون أن علينا أن نأخذهم بعين الاعتبار عندما نسن القوانين في إسرائيل. وهنا تتسع الفجوة. وهذا هو الخطر الحقيقي.
40 في المئة فقط من الإسرائيليين يتفقون مع الزعم بأن نتنياهو أضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وهذا يكشف نتنياهو في المكان الأكثر أمانا له. فإذا نجح الزعماء في الولايات المتحدة قبيل الانتخابات المقبلة في إسرائيل في أن يوصلوا للإسرائيليين الرسالة التي أخفقوا حتى الآن في إيصالها ـ بأن نتنياهو إشكالي للعلاقات الأهم لإسرائيل ـ فإن هذا قد يغير الصورة. وهذا هو السبب في أن نتنياهو يبدي حذرا للابتعاد عن أي تدخل في الانتخابات الأميركية. إنه موضوع في المرصاد، وهو لا ينوي أن يساعد أيا من الصيادين على اصطياده بسهولة.