خلال عامين، بعد الجمود الذي أطاح بالرهان على عملية سلام فلسطيني ـ إسرائيلي تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بناءً على حل الدولتين، هذا الفشل الذي عملت حكومات نتنياهو على أن يصبح العمود الفقري لسياساتها إزاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، منذ ذلك الوقت، عامان تقريباً، لجأت القيادة الفلسطينية إلى المنظمة الدولية، الجمعية العامة ومجلس الأمن، باعتبارها المسؤولة أولاً، عن الاعتراف بالدولة العبرية، ومسؤولة ثانياً، عن تخاذلها عن إجبار إسرائيل الخضوع والاستجابة للقرارات الدولية، وقد نجحت القيادة الفلسطينية بوضع القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم من جديد، وتحققت أهداف سياسية هامة على هذا الصعيد، خاصة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن البديهي القول إن الحراك السياسي والدبلوماسي ليس بديلاً عن كافة أشكال النضال والصراع الأخرى، لكنه مجال لا بد من خوضه والانتصار فيه، بالنقاط على أقل تقدير، ولعلّ هذا الفهم هو الذي أدى إلى استمرار الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني في الاسبوع الأخير، عندما شرع مندوب فلسطين الدائم لدى المنظمة الدولية، السفير رياض منصور بتحريك مشروع قرار ينطوي على استئناف العملية التفاوضية فوراً، على أن يتم التوصل خلال عام إلى حل نهائي، بالترافق مع وقف العملية الاستيطانية تماماً.
في إفادة منصور أمام مجلس الأمن أوضح أنه من غير الممكن قبول الوضع الراهن واستمراره بينما تخلق إسرائيل وقائع من شأنها وضع حد نهائي لحل الدولتين، وان صمت المنظمة الدولية، يشجع الدولة العبرية على المضي قدماً في سياساتها العدوانية واستمرار عمليتها الاستيطانية.
في سياق متصل، جرت مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية، من شأنها أن تفضي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير حربه، كانا وراء هذه المفاوضات. القناة السابعة الإسرائيلية، أشارت إلى أن إسرائيل تحاول إنجاز اتفاق حول هذا الأمر، قبل توجه الرئيس أبو مازن إلى الأمم المتحدة هذا الأسبوع، ذلك يعني، أن حكومة نتنياهو، ورغم كل ما يقال، باتت تدرك مخاطر التوجه الفلسطيني إلى المنظمة الدولية، وأن سعيها للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، من شأنه، حسب القناة السابعة، أن يخفف من الخطاب الفلسطيني في مجلس الأمن، على أساس، أن هناك مفاوضات ثنائية جارية، حتى لو كان الأمر يتعلق بالجزئيات، ثم ان الجيش الإسرائيلي قد ينسحب من مراكز المدن الفلسطينية وبحيث يمتنع إلاّ في نطاق ضيق عن التدخل الأمني والعسكري.
لكن عدم استجابة المفاوض الفلسطيني خلال تلك المباحثات للاشتراطات الإسرائيلية التي كان من شأنها تحويله إلى أداة للأمن الإسرائيلي وبديل عن الجيش الإسرائيلي، أفشل هذه المباحثات التي كانت تعوّل عليها حكومة نتنياهو، التي بدورها، أعادت هذا الفشل إلى أن «الشاباك» أبدى تحفظه ورفضه لمثل هذا الاتفاق، على أساس أن اتفاق أوسلو يخوّل الجيش الإسرائيلي «الملاحقة الساخنة»، في كافة المناطق الفلسطينية بما فيها المنطقة المسماة «أ»، يرى «الشاباك» أن مثل هذا الاتفاق سيصعب عمل الجيش في «المناطق» من دون أن يمنع العمليات!!
حرص نتنياهو على إنجاز مثل هذا الاتفاق، فرض عليه عدم طرحه على المجلس الوزاري المصغر خشية إفشاله نظراً لمعرفته بمواقف أطرافه، بينما هو يريد إنجازا ما، لعله يخفف من الخطاب الفلسطيني في مجلس الأمن، لكنه اضطر في نهاية الأمر، وعلى ضوء الموقف الفلسطيني، الى أن يبرر هذا الفشل، بموقف «الشاباك» المتحفظ، مع أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، أشارت الى أن «الشاباك» لم يكن متشدداً إزاء تحفظه، لكن نتنياهو اعتمد على موقفه، موقف «الشاباك»، لتبرير فشل المحادثات، حتى لا يحيل هذا الفشل إلى تصلب الموقف الفلسطيني الذي اعتمد على انسحاب كامل من المدن وتمكين قوات الأمن الفلسطينية من حفظ الأمن فيها.
في سياق يبدو بعيداً بعض الشيء عن هذا المسار، فإن إقدام نتنياهو على عقد مجلس حكومته في الجولان المحتل، يهدف إلى رسائل عديدة موجهة إلى أطراف مختلفة، من بينها على هذا الصعيد، ان إسرائيل هي التي تحدد حدود دولتها وسلطتها بصرف النظر عن القوانين الدولية، وان ذلك ممكن من خلال مفاوضات تفرض فيها رؤيتها لخريطة هذه الدولة والسلطة، وان لم يتسنَ ذلك، فإن الأمر الواقع هو وحده الذي يرسم هذه الخريطة، وبينما الجولان لا تشكل لإسرائيل أبعاداً دينية توراتية، بل مجرد أطماع وهيمنة القوة، فإن الضفة الغربية، تحمل مثل هذه الأبعاد لدى أوساط توراتية متطرفة، داخل حكومة نتنياهو وخارجها، إذن هي رسالة للجانب الفلسطيني، أيضاً، وعليه أن يأخذ بالاعتبار، أنه رغم إدانة العالم كله، ومن بينه الحلفاء لإسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا، قد أدان اجتماع الحكومة الإسرائيلية في الجولان، إلاّ أن ذلك لم يغير شيئاً حول الواقع الذي فرضه نتنياهو على العالم.
جولة أبو مازن الجارية الآن، وتحديداً زيارته وعقده قمة مع الرئيس الروسي بوتين لها دلالاتها في مثل هذه الظروف، خاصة وأن الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام، كانت هدفاً تبنته روسيا من قبل، ولعلّ الرئيس أبو مازن يحاول أن يقنع القيادة الروسية بالوقوف إلى جانب مشروع القرار الفلسطيني من ناحية، وربما تشجيع المبادرة الفرنسية كبديل عن فشل الجهد الأميركي بقيادة وزير الخارجية الأميركية جون كيري. التحرك السياسي والدبلوماسي، ضرورة لا بد منها في مثل هذه الظروف!!