الأسرى الفلسطينيون: مروان البرغوثي ومستقبل الوضع

02-01-2008_653389052
حجم الخط

مر يوم الأسير الفلسطيني كأي يوم آخر باستثناء بعض الاحتفالات التي جرت هنا وهناك بصورة رمزية كنوع من الإحياء الخجول لمناسبة على درجة كبيرة من الأهمية للشعب الفلسطيني ونضاله العادل من أجل الحرية والاستقلال. وربما هذا الواقع يعكس العجز العام لدى جميع الأطراف من سلطة وفصائل ومجتمع، وعدم القدرة على فعل شيء لهذه الشريحة المهمة من الشعب، والتي تدفع ثمناً باهظاً في كل يوم وفي كل لحظة من العمر خلف القضبان.
لم يخفت الاهتمام الشعبي بقضية الأسرى، فهؤلاء لا يزالون في صلب الوعي الجمعي للناس، ولكن أصبح الموضوع برمته أشبه بالروتين الذي يعبر أكثر عن شعور ملتبس بالألم وقلة الحيلة. ولا احد يستطيع نسيان أكثر من سبعة آلاف أسير ومعتقل موزعين على عدد كبير من المعتقلات والسجون الإسرائيلية من بينهم حوالي 750 معتقلاً إدارياً وأكثر من 400 طفل وحوالي 70 امرأة وفتاة. والأمر لا يقتصر على من هم في المعتقلات الآن بل يزداد العدد في كل يوم حيث تنفذ سلطات الاحتلال اعتقالات يومية في مختلف مناطق الضفة المحتلة بما فيها المناطق التي من المفروض ان تكون خاضعة للولاية الفلسطينية الكاملة مدنياً وأمنياً، فالاحتلال موجود في كل مكان وفي كل تفاصيل حياة الفلسطينيين. ولكن في لحظات معينة يشعر المواطنون بأن البشرى قد تأتي من هناك في ظل الغمامة القاتمة التي  تلقي بظلالها على المشهد السياسي والتي تتبدى في عجز القيادات الفلسطينية عن فعل أي شيء يمكنه أن يغير هذا الوضع بصورة ايجابية ولو نسبياً. فلم يعد لدينا أمل بحل مشكلة الانقسام وانهاء الأمر الواقع المأساوي الذي يدمر ما تبقى من المشروع الوطني في ظل تقسيم الوطن إلى منطقتين جغرافيتين تخضعان لسلطتين مختلفتين وشروط غير متجانسة بعد أن قامت «حماس» بانقلابها وسيطرت على غزة بالقوة المسلحة وأصبح القطاع رهينة وبين فكي كماشة نتيجة لذلك.
بعد مساهمة الأسرى بوثقتهم لحل مشكلة الانقسام والتي لم يجر تطبيقها على الرغم من تبنيها نظرياً من جميع الأطراف، دائماً هناك تطلع شعبي لأن يقول الاسرى كلمتهم لعلهم يكسروا الجليد ويحققوا ما لم تحققه جلسات الحوار العقيم الذي استمر كثيراً وأصبح مثل المفاوضات مع إسرائيل ليس لها أول ولا آخر. وفي هذا السياق لا شك أن صوت المناضل مروان البرغوثي مسموع شعبياً، فهو القيادي الأكثر شعبية على مستوى الوطن في هذه المرحلة، وهذا يظهر في كل استطلاعات الرأي، ولهذا ربما تحظى مبادرة يقودها مروان بالدعم الشعبي الذي يؤمن لها النجاح.
والأهمية التي يكتسبها صوت مروان لا تنبع فقط من كونه أسيراً ويدفع ثمناً يؤمن له الرصيد الوطني المطلوب لكي يكون مسموعاً وغير موضع خلاف، بل كذلك من كونه عضو لجنة مركزية في حركة «فتح» التي تعاني من خلافات تشل عمل المركزية أو تضعفه بصورة كبيرة خاصة في ظل تأجيل انعقاد المؤتمر العام للحركة وعدم وجود افق لانعقاده في المستقبل القريب. وقد يكون مروان الشخص الذي يستطيع توحيد «فتح» خلفه لخليفة الرئيس ابو مازن الذي أعلن مراراً أنه لا يريد الترشح للرئاسة مرة أخرى.
ولكي يحظى مروان بفرصة أن يكون في موقع التوافق الفتحاوي وربما الإجماع في مرحلة ما على خلفية صراع مراكز القوى المختلفة في الحركة لا بد من القيام بمبادرة لإنهاء الانقسام، فهي الشرط الضروري لإجراء الانتخابات العامة التي ينبغي أن تتم بالتوافق الذي لا يبدو قائماً بالرغم من التصريحات التي صدرت عن كل الأطراف والتي تؤيد اجراء الانتخابات، ولكن الجميع يعلم أن لا أحد من المعنيين يريد انتخابات.
الأفكار التي يطرحها مروان للخروج من أزمة الانقسام والوصول إلى برنامج وطني موحد حول كل القضايا قد تكون الأساس لتوحيد الموقف حول مسألة الانتخابات التي بدونها لن يحدث اي تغيير في الساحة الفلسطينية، ونحن بحاجة ماسة لاطلاق صرخة تنطلق من فكرة إجراء الانتخابات فوراً وخلق رأي عام ضاغط ومؤثر على صناع القرار للذهاب بأسرع وقت نحو الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية. وفي الواقع هناك أفكار جديدة تستحق التفكير مطروحة في مركزية «فتح» حول تشكيل قيادة جماعية وتوزيع المناصب التي لدى الرئيس اليوم حتى تكون قاعدة التوافق أكبر وحتى يتم تجاوز المرحلة الانتقالية التي تعقب تقاعد الرئيس.
وفكرة دفع مروان للانتخابات كرئيس قادم قد تسهم ويتوجب أن تسهم في عملية تحريره من الأسر، فلو تبنت حركة «فتح» هذا الطرح سيأخذه العالم على محمل الجد ويضغط على إسرائيل لإطلاق سراحه باعتبار ذلك مخرجاً للوضع الفلسطيني الراهن والمأزوم. ودائماً موقف «فتح» له وزن في تقرير مستقبل الوضع، وهذا يتطلب قراراً فتحاوياً وقبل ذلك نقاشاً على مستوى القواعد والقيادة لرسم صورة المستقبل للحركة والوطن على السواء، فهل تذهب «فتح» لتبني خيار اعتماد ترشيح المناضل مروان البرغوثي للرئاسة وتخرج من حالة الشلل وعدم اليقين؟