الكشف المفاجئ عن نفق هجومي تابع لـ»حماس» في منطقة مجلس أشكول ينطوي على ما اعتاد الناس تسميته الإحساس بمشاعر مختلطة. فمن جهة هو إنجاز آخر جدير بالثناء للقوات الأمنية في الصراع السيزيفي الذي لا نهاية له الدائر بينها وبين تنظيمات «إرهابية» حول التفوق في ميدان المعركة. ومن جهة ثانية، فاقم الكشف عن النفق «صداع» كبار السياسيين من زاوية قدرة التدمير التي تملكها «حماس» والتي يمكن أن تلحقها بنا في الجنوب خاصة. ماذا نتعلم من هذا الكشف؟
أولاً؛ يتضح أن الفترة الزمنية التي أعطيت للمؤسسة الأمنية في موضوع الأنفاق أثبتت جدواها. فقد نجح سلاح الهندسة ورجال الصناعة الأمنية في العثور على حل للكشف عن أماكن الأنفاق المخيفة التي بداياتها في غزة ورفح أو خان يونس، ونهاياتها حفرة قريبة من غرف الطعام في الكيبوتسات المحيطة، أو في مهاجع الجنود في موقع ما على حدود القطاع. إن الجهاز المتطور والقدرات الفردية العالية لأفضل المهندسين أدت إلى ولادة «قبة حديدية» تحت الأرض. وقد ثبت مرة أخرى وجود من يمكن الاعتماد عليه. يحرص جهاز الأبحاث والتطوير الأمني منذ قيام الدولة دائماً على أن نكون متقدمين على أعدائنا في التطور والقدرة وبصورة أساسية في التنفيذ، وقد نجح في ذلك مرة أخرى.
ثانياً؛ إن الكشف عن النفق بين كيسوفيم وكرم سالم الممتد عشرات الأمتار داخل «أرض إسرائيل»، يضفي أهمية على التهديدات التي ظهرت في الفترة الأخيرة بأن «حماس ليست جامدة».
صحيح أن الاستخبارات العسكرية تراقب «حماس» عن كثب، وتشير بفاعلية إلى التقدم الذي تظهره الحركة في البحر والبر والجو، لكن تحذيرات هذه الاستخبارات مهما كانت جيدة وفعالة كما هو متوقع، فإنها محبطة جداً، لأن السياسيين يصطدمون من جديد بالمعضلة المعروفة في عصر المواجهات غير المتناظرة في القتال وهي هل نضرب اليوم ونمنع تعاظم القوة أم ننتظر ونخاطر بتحسن استعدادات «إرهابيي» «حماس»؟ إن ضربة وقائية إسرائيلية في هذا الوقت مثل تلك التي يطالب بها بعض السياسيين يمكن أن تشعل ناراً إقليمية في توقيت دولي حساس للغاية. لكن ضبط النفس، أو الاحتواء بلغة هذه الأيام، يمكن أن يكون خطأ يضعنا في وضع استهلالي صعب جداً عندما تبدأ الحرب.
ثالثاً؛ لا يمكن فصل دعاة الحرب في «حماس» عما يحدث في القطاع على الصعيد الاجتماعي - الاقتصادي. في نهاية عملية «الجرف الصامد» كان المجتمع الدولي مجمعاً على منع جولة عنف جديدة وعلى إعادة بناء القطاع. لست متأكداً من أن إعادة بناء القطاع تمنع جولة عنف إضافية، لكن جمع التبرعات كان يمكن أن يكون له تأثير مهدئ. وكما هو معلوم، أُعلن عن جمع 3 مليارات يورو، لكن المبلغ الذي جُمع بالفعل هو نحو عشر المبلغ المطلوب - الأمر الذي يفسر لماذا بقي قطاع غزة على ما هو عليه: كئيباً، محبطاً، مهملاً ويتطلع إلى الانتقام.
رابعاً؛ هل نحن أمام جولة إضافية؟ لا اعتقد ذلك. «حماس» لا تزال مرتدعة. يكفي ان نشاهد رجالها يقومون بالدوريات ويوقفون كل من يحاول استفزاز إسرائيل على الحدود كي نفهم إلى أي حد الحركة مرتدعة ومتخوفة. لذا، فإن فتح جبهة في هذه الأيام بمبادرة من «حماس» هو بمثابة عمل انتحاري. إنما على الرغم من ذلك، بين الامتناع المطلق عن الرد والبدء بمعركة شاملة، هناك احتمال أن تبحث «حماس» عن إنجاز مرحلي: صورة انتصار تعيد إليها التقدير الذي خسرته في العمليات العسكرية الثلاث الأخيرة. إن التسلل إلى إسرائيل من خلال نفق هجومي مثل الذي اكتُشف في الجنوب، من دون أن يأتي ذلك ضمن اطار معركة شاملة بل كمفاجأة في عز النهار، هو التفسير الذي يبعث على الارتياح بأن مساعي تعاظم القوة والاستعدادات التي لا تتوقف للمس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، لا تدخل ضمن اطار معركة شاملة.