منذ سنوات كثيرة أسأل نفسي: هل الموقف الرسمي للولايات المتحدة في ما يتعلق بهضبة الجولان (وأيضاً من "يهودا" و"السامرة") يجري تحديثه من وقت إلى آخر بما يتلاءم مع الظروف المتغيرة في البيئة المحيطة، أم أنه سياسة ثابتة؟ في كلام الناطق بلسان البيت الأبيض غموض معين: "الهضبة ليست جزءاً من إسرائيل.. هذه سياسة تعود إلى سنوات عديدة، وقد انتهجتها إدارات ديموقراطية وجمهورية. إن وضع هذه المناطق يجب أن يحدد في مفاوضات، والوضع الحالي في سورية لا يتيح القيام بمفاوضات كهذه".
وفي مقابل الناطق، قرر المرشح الجمهوري تيد كروز تأييد موقف رئيس الحكومة نتنياهو القائل لا مجال للمفاوضات، والجولان أرض إسرائيلية بحسب القانون.
لنعد بضع سنوات إلى الوراء. في كل جولة تقريباً من المفاوضات بقيادة الإدارة الأميركية ارتفعت أصوات داخل إسرائيل تؤيد إعطاء الجولان كله لسورية مقابل سلام.
وهذا يعني أن الشروط الاستهلالية كانت إعادة الجولان إلى "أصحابها" ومن بعدها نتحدث.
"الثمن معروف لكل صبي من دمشق ومن كتسرين" هذا ما قاله بصورة قاطعة محللون وشخصيات عامة.
آخرون اعتبروا الجولان بمثابة "الثمن المحدد" للسلام مع سورية.
وكما هو معروف، كلما استمر الكذب وتواصل صار كأنه حقيقة. خلال الفترة التي سبقت الحرب الأهلية في سورية، كان في الإمكان الإحساس بنوع من التوق لدى المؤيدين لإعادة كامل الجولان حتى قبل المفاوضات.
اليوم قليلة هي الأصوات التي تتحدث بصورة حاسمة عن اعادة الجولان، إلى مَن سنعيد الجولان في هذه الأيام؟ وأفترض أن هؤلاء يلقون نظرة على الاستطلاعات التي تُنشر من حين إلى آخر وتظهر أن بقاء الجولان في أيد إسرائيلية أفضل آلاف المرات من التخلي عنها "لجزار" دمشق.
أريد أن أعرض بعض الأمور.
الحقيقة الأولى: في ذروة الحرب العالمية الثانية احتل الاتحاد السوفياتي أربع جزر صغيرة، جزر الكوريل في شمال اليابان.
وعلى الرغم من كل توسلات اليابان المهزوم، أصرت روسيا على موقفها - هذه الجزر لنا وإلى الأبد.
ومن الحجج الرائعة للاتحاد السوفياتي رداً على توسلات اليابان من أجل استعادة الجزر "مر وقت طويل على الاحتلال".
ليس مهماً حجم الجزر، المهم هو المبدأ القائل إن الأراضي التي تُحتل لا تعاد، ولا سيما إلى الطرف الخاسر.
حقيقة ثانية: إن مساحة هضبة الجولان بما في ذلك جبل الشيخ، أقل من ستة أعشار مساحة سورية.
أي نحو 1158 كيلومتراً مربعاً مقابل أكثر من 185 ألف كيلومتر مربع.
وهذا يعني أن هناك دولة كبيرة تقاتل بشراسة، على الأقل حسبما يظهر من تصريحات زعماء سورية، وبكثير من الصبر، من أجل ستة أعشار من أراض لها احتلت من جانب إسرائيل التي هوجمت أولاً.
وقد حدث هذا كله قبل 49 عاماً.
حقيقة ثالثة: لا توجد علاقة بين الحقيقتين الأولى والثانية. حتى لو كانت مساحة إسرائيل أكبر بعشرات المرات من مساحة سورية، وبمئات المرات من مساحة هضبة الجولان، فإن المبدأ يحدد أن الذي بدأ بالهجوم أو بالتهديد أو التخويف، يجب أن يدفع الثمن.
حقيقة رابعة: "سلام الشجعان" ساد الحدود الإسرائيلية - السورية منذ حرب "الأيام الستة" برغم توقفه خلال حرب "يوم الغفران". ويعرف الأسد جيداً مدى المدافع والثمن.
وفي النهاية حقيقة خامسة: لا يوجد شعب فلسطيني تحت الاحتلال في هضبة الجولان.
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن هذه الحقائق لا تهم رؤساء الإدارة الحالية في الولايات المتحدة. إن جزءاً من الحجج التي هي من البديهيات – والتي تستند إليها وجهة نظر إعادة الجولان إلى سورية (مثلاً إذا انسحبنا من الجولان ستنقطع العلاقة بين إيران وسورية، وبين سورية ولبنان، وبين لبنان و"حزب الله")، لا أساس لها.
لكن السؤال الأساسي الذي يهمني هو: ماذا يستطيع الأسد أن يقدم مقابل إعادة الجولان؟ الحرب الأهلية هي رد آخر على سؤال: لماذا يجب أن تبقى هضبة الجولان في يد إسرائيل إلى الأبد؟
لماذا يتعذر عقد صفقة واحدة وشاملة بين حماس وإسرائيل؟
26 نوفمبر 2023