مائة عام على سايكس بيكو لتلفظ انفاسها الاخيرة نحو مستقبل اسود واسوء للامة العربية ، متغيرات عصفت بالدولة الوطنية ليزداد المقسم تقسيما والتشرذم ليأخذ اكثر حدة واسسلاخا وتفسخا ، اتت سايكس بيكو كنتائج للحرب العالمية الاولى ، وكانت الحرب العالمية الثانية لتعطي بعض المتغيرات في النظام السياسي العربي ، والصراع بين امريكا واوروبا العجوز على النفوذ في المنطقة وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمة في التوازنات الدولية ، تلك المتغيرات التي اتت بمناخات انتجت الثورات العربية وظهور الدولة الوطنية .
الحرب العالمية الثانية واحد نتائجها الخطرة على منطقة الشرق الاوسط احتلال فلسطين وتكريس ما يسمى دولة اسرائيل ، التي كانت في صراع مع الدولة الوطنية على مستوى الاقليم ، الدولة الوطنية التي اصيبت بالضعف والوهن نتيجة ضعف الاتحاد السوفيتي ومن ثم انهياره وبالتالي بدأت الدولة الوطنية في الدفاع عن ذاتها ووجودها امام تكريس المشروع الصهيوني كحقيقة في المنطقة .
الدولة الوطنية التي تلقت ضربة قاسية في حزيران عام 67م وبرغم انتفاضة الشعوب لتدعيم تلك الانظمة الا ان المتغيرات الذاتية والدولية قد اثرت على تلك الانظمة مما دفعها في الانخراط في البرنامج الامريكي في المنطقة وتصوراته الاستراتيجية والتكتيكية فكانت حرب اكتوبر وما لها من توازنات امنية وجغرافية فكانت الارض مقابل السلام ضمن خريطة امنية ملزمة ومن هنا حدصث التحول في مفهوم الصراع سياسيا واقفلت عقود من الصراع تحت تعريف الصراع من"" الصراع العربي الصهيوني ، الى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي " ووئدت اللاءات الثلاث لا صلح ، لا اعتراف ، لاتفاوض"".
بالتاكيد مع هذا التحول بدأت اضواء الثورة الفلسطينية ينخفض منسوبها لتلتحق بالبرنامج السياسي العربي تاركة الكفاح المسلح لتصل الى توقيع اتفاق اوسلو على غرار اتفاقيات اقليمية تمت مع الكيان الاسرائيلي ، لتفرز السلطة الفلسطينية التي غطائها منظمة التحرير وبقيود والتزامات تجاه امن اسرائيل وبما يسمى التنسيق الامني ، الذي مكن لاسرائيل زمنيا عبر ما يسمى المفاوضات ان تكرس مشروعها في الضفة وبما يسمى يهودا والسامرة من خلال الاستيطان ، الفلسطينيون الذين قبلوا 242 و338 الصادرين عن مجلس الامن ومع اطروحة الارض مقابل السلام وللمطالبة بدولة في الضفة وغزة ومن خلال اطروحة حل الدولتين الذي لم يتبقة من هذا الشعار السياسي ما يستفيد منه الفلسطينيون .
اصبح الفلسطينيون سياسيا بلا ثورة ولا دولة ولا برنامج واضح يضع معالجات النكسات التي اصيب فيها الواقع الفلسطيني وحالة التخبط الملازمة لذلك مع انقسام حاد لتوالد اجهزة سيادية في كل من الضفة وغزة وبرغم رفض اسرائيل عن الانسحاب من المنطقة Aالتي لا تمثل اكثر من 8% من مساحة الضفة والتي تتركز فيها اجهزة السلطة ومكان اقامة الرئيس والتي اعادت اسرائيل احتلالها المباشر في الانتفاضة الثانية عام 2003م ولتقع كل الضفة تحت الاحتلال المباشر.
اما غزة التي واجهت ثلاث حروب لفك حصارها ما زال الحصار اكثر ايلاما في كل شيء ، بل وقعت غزة تحت التجاذبات الاقليمية ما بين الحلف الايراني والحلف التركي القطري مع ظهور ما يسمى اشاعات لمستقبل الدولة الفلسطينية في غزة ضمن جغرافيات محددة ووطن شبه بديل لعوامل الديموغرافيا زمنيا ، وهذا ما ترفضه السلطات الحاكمة غزة والسلطات الحاكمة في الضفة التي تعتبره خطر يجهز على اخر امل للفلسطينيين في الضفة كارض تحت السيادة الوطنية .
انتهى سايكس بيكو لعاملين اساسيين عامل الاتفاق النووي الايراني وتوزيع مناطق النفوذ مذهبيا وطائفيا في الوطن العربي وما اتى به ما يسمى الربيع العربي عام 2011م من انهيارات للدولة والانظمة الوطنية وما كان من مقدماته بضرب البنية للعراق وانهيارها ولحق ذلك كل من سوريا ووليبيا واليمن وتونس وما زالت الدولة المصرية تصارع وتقاوم مؤثرات هذا الربيع وافرازاته من نهج مذهبي ديني تكفيري ، ومازالت دول الخليج بعد استيقظت لتجد خارطة تقيسم النفوذ امر واقع ، وبداية في العراق ومن حيث الترتيب الجغرافي السياسي دولة الشيعة ودولة الاكراد ودولة السنة وهذا ما تتعرض له سوريا ايضا بتبادلية جغرافية بين الفئات الثلاث ، وبالتالي تنتهي الدولة الوطنية ذات السيادة وتمتلك جيش وطني وشعارات وبرامج قومية تلزم الجميع بمواجهة المشروع الصهيوني وكما هو الحال في اليمن اما لليبيا فستقسم قبليا مع عدم وجود دولة مدنية ايضا .
المهم ان نظرية الامن الصهيوني والمخطط الغربي للصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد تم تسويته اقليميا فالقيادة الرسمية للسلطة والمنظمة لاتفكر ابدأ بتغيير برنامجها السياسي المبني على التفاعل الدبلوماسي والذي يتركز على المجتمع الدولي مع اغفال اهمية البناء الداخلي في اعادة التوازن للصراع مع اسرائيل ، اما اقليميا فلم تعد القضية الفلسطينية هي القضية رقم واحد او اثنين او ثلاثة في قائمة الاهتمامات العربية ، وتتلخص الاهتمامات العربية الان في رسم وتعديل ما يمكن ان تاتي به اتفاقية سيكس بيكو جديدة واهمها محاربة الارهاب وداعش من ناحية والنفوذ الايراني السياسي والجغرافي .
التحول في خارطة الاحلاف في المنطقة قد تغيرت فما عادت اسرائيل هي العدو الاول او الثاني بل هناك حلف مشترك بين اسرائيل ودول عربية لمحاربة ما يسمى الارهاب السني والشيعي وهي افرازات ما يسمى الربيع العربي لاغلاق صفحة سايكس بيكو القديمة ولفتح صفحة سايكس بيكو الجديدة ، تلك المفاهيم الجديدة ، قد تغلق ملف القضية الفلسطينية لاكثر من عقد مع وضع ترتيبات سياسية وامنية واقتصادية للفلسطينيين بلا دولة ولا ثورة ، ولذلك وامام هذا التشتت الفلسطيني ومع انغلاق حل الدولتين عمليا مطلوب الان استراتيجيا ونتيجة كل تلك المتغيرات الاقليمية المؤثرة في توجهات الصراع من المهم الان وبشكل عاجل نسف ابلبرنامج السياسي القديم ولان البرنامج السياسي القديم قد نسف وعليهم بتحديث البرنامج السياسي والوطني والمطالبة بحل الدولة الواحدة ذات القوميتين ضمن تغيير للدستور والقوانيين التي تنظم مؤسسات ما يسمى بالدولة الاسرائيلية ، يجب على الفلسطينيين واما منطق الدعوات لقادة اسرائيل بالاعتراف بالدولة اليهودية المطالبة بحل الدولة الواحدة فهو الاكثر استثمارا ونضالا وحقوقا مع اختفاء واضمحلال البرنامج المختزل لمنظمة التحرير بالدولة على ما تبقى من الضفة وغزة التي مساحتىه لا تتجاوز 48 كيلو متر .