رحيل «ربيحة دياب» يشبهها

9999466977
حجم الخط

رحيل مبكر، هادئ ومتزن، عقب حياة تقفز نحو محتومها. هكذا يمكن وصف حياة الراحلة على عجل، «ربيحة دياب». لملمت تجربتها النضالية وأخذت قرارها الشجاع ورحلت لا تلوي على شيء. فكان موتاً يشبهها وجنازة تحمل اسمها. استعجلت المناضلة في تحضير فعالية وداعها الأخير، مودعة في استعجالها بصمة خاصة بها تميزها، وفي السياق تُسجِّل ضربتها القاضية في الشوط الأخير، فتأتي النتيجة الطبيعية للأداء النضالي الرفيع، نجاح التحضير المرتجَل تحت ضغط انتهاء الوقت، الذرة الأخيرة في الساعة الرملية، عناد العقارب أمام صفر الحياة. ولم يكن من طبائع «ربيحة» معاندة المآلات والنهايات. هكذا أرادت «ربيحة دياب» أن تكون خاتمتها خاطفة، سريعة ولاذعة على طريقتها المميزة التي لا تغادرها العفوية والبساطة. قامت برسم مشهدها الأخير وإطلالتها الأخيرة ممهورة بتوقيعها النهائي على مشهد دافئ مرسوم بسريّة واقتدار. فكانت البصمة والخلطة السحرية التي ميزتها دائماً، التنفس مع الناس ولهم، واقفة معهم مغروسة في أرضهم. «ربيحة دياب»، إنها السيدة المفرطة المشاعر، الممسكة بناصية أحاسيسها بقوة وجرأة. إنها السيدة الخجولة التي ليس لديها طقوس خاصة للحركة والتحدث، تمسك بمقاليد البساطة والتواضع وتمضي في محاكاة الطبيعة، وتذيل حراكها بتواقيع من تحديات إرادة الوجود والبقاء الفلسطيني. «ربيحة دياب»، جلست بارتياح على تراث ومدرسة النضال الدؤوب والمستمر، تتجنب الوقوع في الكبوات والهفوات. لم تشترِ من أحد مناصبها ومواقعها، بل أخذت ما تستحق باسم سيرتها البسيطة والنقية الخالية من الشوائب الدخيلة والمُدخلة. إنها رمز لحالة نسوية جميلة. نموذج للعطاء والنقاء. أداؤها يقول عنها، بالجملة والمفرّق. إنها الشخصية التي تعيش في الواقع، ولا تطلق خيالها خوفاً على براءة العطاء والبساطة. ومع ذلك، لا يمكن أن نطلق عليها وصف التواري والزهد، بل أحبَّت الحياة على اتساعها وآفاقها. «ربيحة دياب»، المحبوبة من قبل صديقاتها ورفيقات دربها، مناضلة بسيطة متواضعة معطاءة.. إنها مناضلة تقوم بواجبها ومهامها بحس جميل ومتواصل. «ربيحة دياب»، لا تفضل اختراق المستحيل، ولا تحب التلاعب بالكلمات والتنظير، بل تفضل القواعد والمعايير الطبيعية والمعاني المباشرة للكلمات والنظم. «ربيحة دياب»، كرّست حياتها لحفظ حياة الناس وحماية كرامتهم من الحاجة والامتهان. لا تنزلق ولا تلجأ للممالأة، ولا تقبل المسّ بمعاييرها وقناعاتها الخاصة بها، بل تعبِّر عن مشاعرها الحقيقية وقناعاتها بشكل مباشر دون أي لجوء للتسويغ.   « ربيحة دياب»، غادرت عالمَنا بجموح وتسرع إلى العالم الآخر؛ المعرَّف والمعروف، ستبقى كما هي على طبيعتها في عاداتها وتقاليد يومها وصوتها العالي، ستستيقظ مبكراً لتفكر مع سحب الدخان بما ينتظرها من مهام وبرامج، في المهام الاعتيادية كامرأة عادية والاستثنائية كامرأة اجتهدت لتكون استثنائية. إذ تغيب عن فضائنا «ربيحة دياب»، سنتذكر صباحاتنا المفعمة مع تذوق قهوتها المرّة وفيض سحبها المتسللة، ونطلق العنان لخيالنا في أدوارها الجديدة الطيبة.