غزة و الضفة..سباق بين الانفجار و الانفراج

thumbgen
حجم الخط

خلال الايام و الاسابيع الاخيرة تحدث العديد من القيادات العسكرية و الامنية عن تقديراتهم للاوضاع الامنية و السياسة سواء كان في غزة او الضفة الغربية. غزة التي تسير اوضاعها الانسانية من سيء الى اسوء نتيجة استمرار الحصار و اغلاق المعابر و ارتفاع نسبة البطالة و استمرار ازمة الكهرباء وفقدان الامل في التغيير ، وفي نفس الوقت ارتفاع وتيرة التوتر بين الحين و الاخر حول امكانية نشوب مواجهه عسكرية اخرى حتى وان لم تكن ترغب بها كل الاطراف ذات العلاقة.

و في الضفة الغربية حيث الظروف لا تختلف كثيرا من حيث امكانية الانفجار اكثر مما هو علية الان، رغم كل ما يبذل من جهد سواء من اجل تجنب ذلك في ظل وجود مصلحه لدى قيادة السلطة الفلسطينية بعدم خروج الاوضاع عن نطاق السيطرة، و بغض النظر عما تتخذه اسرائيل من اجراءات على الارض.

التقديرات الامنية الاسرائيلية بأن استمرار الوضع على هذا الحال هو امر اقرب الى المستحيل و انتهاء هذه المنظومة القائمة هو مسألة وقت فقط في ظل فقدان الثقة بالعملية السياسية و هشاشة النظام السياسي الفلسطيني و استمرار الانقسام.

الاهم من ذلك في ظل استمرار الاستيطان الذي يبتلع كل يوم مزيدا من الارض الفلسطينية في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطيني من الاستفادة من تطوير ارضه على اعتبار انها مصنفه مناطق "C" وفقا لاتفاقات اوسلو التي يزيد مساحتها عن اكثر من ستين بالمئة من مساحة الضفة في الوقت الذي تواصل اجتياحها اليومي لمناطق السلطة ، خاصة المصنفة "A" دون اي احترام للاتفاقات السابقة.

لا شك ان اسرائيل تستفيد جيدا من حالة الانقسام الفلسطيني و حالة الصراع او التنافس على السلطة الوهمية سواء كان في غزة او الضفة ومصلحتها السياسية و الاستراتيجية ان يستمر هذا الحال الى اطول فترة ممكنه مع العمل على رعايته و توفير الصيانه المجانية الدائمة له .

التقديرات لديهم فيما يتعلق بجبهة غزة ان حماس على الرغم من استمرارها في اعادة بناء قوتها العسكرية فوق الارض و تحت الارض استعدادا للمواجهة القادمة في حال حدوثها سواء كان لهذا السبب او ذاك ، الا ان قيادة حماس غير معنية في مواجهة جديدة مع اسرائيل، على الاقل في الوقت الحالي، هذا لا يعني ان لا يتغير الموقف نتيجة لعوامل داخلية او اقليمية ، او نتيجة لحدوث امر ما يؤدي الى تدهور متدحرج غير مرغوب فيه.

تقديراتهم ان الاولوية لدى حماس ،على اعتبارها القوة الرئيسية الفعلية في غزة ، طالما الامر يتعلق بهم لا يريدون مواجهة . الاولوية هي بناء القوة من ناحية، عدم فقدان السيطرة على الوضع من ناحية ثانية، و من ناحية ثالثة محاولة كسر الحصار و فكفكة ازمات غزة الانسانية لكي لا تفقد السيطرة على الوضع. من اجل ذلك تحرص حماس على الحفاظ على التهدئة حتى و ان اخترقتها اسرائيل بين الحين و الاخر بما في ذلك منع اي جهة من اطلاق الصواريخ على اسرائيل كما يحدث بين الحين و الاخر.

في الضفة الغربية ، لم يعد سرا ، بأن قيادة السلطة بذلت و ما زالت كل جهد ممكن من اجل منع تطور الهبة الجماهيرية التي انطلقت في مطلع اكتوبر الماضي الى انتفاضة جماهيرية شاملة على غرار الانتفاضتين الاولى و الثانية او تطورها الى شكل مختلف يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي حدثت خلال الثلاث عقود الاخيرة .

الرئيس عباس بصفاته المختلفة و المتعددة لا يشعر بأي تحفظ او حرج في تكرار مواقفه التي لا تقبل التأويل على الرغم من ادراكه المسبق لعدم توافقها مع رغبة الجماهير الفلسطينية و في مقدمتها جمهور حركة فتح التي يتزعمها . تعليماته للاجهزة الامنية واضحه و صريحه ، ليس فقط باحباط اي عمل عسكري ضد الاسرائيليين سواء كانوا جيش او مستوطنين ، بل ايضا منع اي احتكاك على الحواجز و النقاط العسكرية .

و على الرغم من الانتقادات القاسية التي تتعرض لها قيادة السلطة نتيجة استمرار التعاون الامني في الضفة ، و على الرغم من الاشادة الاسرائيلية بهذا التعاون الذي يثير الاعجاب ، الا ان التقديرات الاسرائيلية بأن ما تفعله السلطة ليس حبا في اسرائيل بقدر ما هو نابع من خشية قيادة السلطة و اجهزتها الامنية من فقدان السيطرة على الوضع يؤدي الى انهيار السطة و اجهزتها حيث ستستفيد من حالة الفوضى هذه حماس وقوى اخرى .

الاستراتيجية الاسرائيلية التي تم اعتمادها منذ سنوات ، خاصة خلال فترة حكم نتنياهو و حكومة اليمين الاسرائيلي التي لا تؤمن في حل الدولتين يمكن تلخيصها بالتالي :

اولا: استمرار الاستعداد للموجهة القادمة سواء كان في غزة او الضفة، وذلك في ظل التقديرات ان احتمالية حدوث مثل هكذا مواجهة سواء على جبهة غزة او جبهة الضفة هو امر وارد. الاستعداد يشمل اعطاء ردود عملية لحدوث اي طارئ. في الضفة يجب ان يكونوا جاهزين لانهيار السلطة او انفجار الوضع نتيجة وجود حدث كبير يخرج الوضع عن نطاق السيطرة.

وفي غزة الاستعداد يشمل مواصلة تطوير القبة الحديدية و معطف الريح و منظومة البحث عن الانفاق التي يقولون انهم احرزوا تقدم ملموس في تطويرها ساهم بشكل كبير في اكتشاف النفق الاخير. الاستعداد يشمل ايضا ايجاد حلول للصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون التي لا تستطيع القبة الحديدية التعاطي معها. هذا يشمل ايضا زيادة تحصين المستوطنات المجاورة من ناحية و تجهيز خطط لاخلاءهم اذا لزم الامر.

ثانيا : ليس هناك من شك ان اسرائيل هي اكثر المستفيدين من استمرار الانقسام و تفسخ النظام السياسي الفلسطيني، و ليس هناك ادنى شك انه طالما يتعلق الامر بها ستحرص اسرائيل على استمراريته الى اطول فتره ممكنه .

ثالثا: بما ان مصلحة اسرائيل هي الحفاظ على الوضع السياسي القائم سواء في غزة او الضفة الغربية و الذي عنوانه سلطة ضعيفة هنا و سلطة ضعيفه هناك ، كلاهما منزوعة الدسم في كل ما يتعلق في مواجهة التحديات و فكفكة الازمات.

الاستراتيجية الاسرائيلية مبنية على استمرار التلويح باستمرار القوة ، خاصة في غزة، و صيانة قوة الردع بين الحين و الاخر ، و استمرار الضغط على حماس لكن دون ان يؤدي ذلك الى فقدانها لاعصابها او فقدانها السيطرة على الاوضاع هناك، لان البديل هو الفوضى غير المسيطر عليها.

وفي الضفة الغربية تدرك اسرائيل ان بقاء السلطة ضعيفه غير قادرة على مواجهة التحديات لوحدها و لكن دون الوصول الى مرحلة الانهيار هو امر يخدم المصلحة الاسرائيلية، لذلك يجب الحفاظ على سلطة ضعيفة دون وصولها الى مرحلة الانهيار.

رابعا: في غزة كما هو الحال بالنسبة للضفة الغربية، هناك فرق بين وجهة نظر القيادة السياسية ( اليمينية ) حيث غالبية وزراء حكومة نتنياهو لا تؤمن بحل الدولتين و تعتبر الضفة الغربية جزء من ارض اسرائيل ، وبين موقف الامن و الجيش الذي يعتبر ان لا حلول امنية للوضع سواء كان في غزة او الضفة و ان الحل هو سياسي.

فيما يتعلق بالوضع في غزة، اليمين الاسرائيلي، لسخرية القدر ، اكثر اعتدالا في كل ما يتعلق بتفكيك الازمات الانسانية هناك ، ليس لان لديهم مشاعر انسانية جياشة، بل لاسباب ايديولوجية لادراكهم ان غزة يجب ان تبقى كيان منفصل عن الضفة الغربية حتى وان كان ثمن ذلك بقاء حماس مسيطرة هناك و كان الثمن انشاء مطار و ميناء . في حين موقفهم في الضفة ان لا مشكلة لديهم في انهيار السلطة رغم استمرار التعاون الامني و منعها من تطور الانتفاضه لان ذلك سينهي الى الابد من وجهة نظرهم حلم اقامة دولة فلسطينية مستقلة و سيبعد شبح الانسحاب الاسرائيلي من هناك.

خامسا: على الرغم من كل ذلك اسرائيل تدرك ان استمرار الحال من المحال سواء كان في الضفة الغربية او قطاع غزة . ان لم يكن هناك تغيير جذري في الاوضاع، سواء كان السياسية او الانسانية فأن الانفجار قادم لا محالة. و الانفجار سيكون حتما في وجه اسرائيل. لذلك تبذل جهد لعمل نوع من التوازن في الضفة الغربية بين استمرار الاستيطان و اقتحام مناطق السلطة و تعزيز الحواجز العسكرية و بين محاولة تخفيف الضغط عن السكان الفلسطينيين من خلال السماح للعمال باستمرار العمل في اسرائيل و تسهيل حركة التجار و رجال الاعمال على اعتبار ان القضية الفلسطينية بالنسبة لهم هي قضية انسانية و ليست سياسية.

وفي غزة تحاول اسرائيل ان لا تغلق كل الابواب و المنافذ رغم الادعاء بأن حماس تواصل من تطوير قدراتها العسكرية. اسرائيل تدرك ان استمرار اغلاق معبر رفح الذي يقع تحت المسؤولية المصرية و الصعوبات المتزايدة على حركة الغزيين الشحيحة اصلا من خلال الاردن اضافة للاجراءات المعقدة على معبر بيت حانون يجعل الاوضاع الانسانية قابلة للانفجار في كل لحظة.

لذلك تحاول اسرائيل تجنب هذا الانفجار سواء من خلال الامم المتحدة او المبعوث القطري العمادي او الوفود الدولية التي تأتي احيانا بالسر و احيانا بالعلن من اجل منع هذا الانفجار.

السؤال الذي يحتاج الى اجابة هو من سيسبق من، الانفجار ام الانفراج؟