ديما الواوي (12 عاماً) أمضت شهرين ونصف في المعتقل، وأثار اعتقالها ومحاكمتها استياء عالمياً واسعاً، كما أثار الإفراج عنها سؤال الحصانة «المفترضة» التي «من المفترض» أن يتمتع بها أطفال فلسطين بالاستناد إلى القانون الدولي المعطل في كل ما يتصل بالحرب ضد السكان الأصليين الفلسطينيين، وضد أطفالهم في كل الأعمار. بعض الإسرائيليين قالوا: إن الاحتلال العسكري وخاصة هذا الصنف الإقصائي سيخرب الإسرائيليين ويفقدهم إنسانيتهم، بعد انتهائهم من تخريب الفلسطينيين. أتذكر شخصياً هذه المقولة مع كل انتهاك يتعرض له الأطفال. وإذا كان تقدم الشعوب الراقية يقاس بمنظومة المواقف والتعاملات المميزة إيجاباً لفائدة الأطفال، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي تسقط شر سقوط عند تطبيق ذلك المقياس على سياساتها المعتمدة أو المطبقة على الأطفال الفلسطينيين. ولكن سنجد من يقول: إن هذه الدولة «مقطوعة الوصف» تتعامل مع أطفالها برقي، وتستثني الأطفال الفلسطينيين من تعاملها هذا، بمثل ما تستثني الشعب الفلسطيني من تطبيق القانون الدولي. إنه العذر الأقبح من الفعل الذي يجسد لوناً جديداً من عنصرية بشعة. ديما الطفلة البريئة أرادت أن تلعب مع الاحتلال لعبة الانتفاضة، كما يفعل أترابها كل يوم. لنفترض أن الرواية الإسرائيلية صحيحة ودقيقة - ذهبت ديما وهي عائدة من مدرستها لتهاجم الجنود أو المستوطنين بسكين، أو ذهبت والسكين في حقيبتها المدرسية وكانت عازمة على تنفيذ عملية ضد الجنود. كان يمكن للجنود الأشاوس ورجال الأمن المحترفين إمساكها من يدها وإبعادها عن المكان والقول لها: «يا شاطرة احنا ما بنلعب مع أطفال ولا تحاولي مرة أخرى، ومع السلامة». هذا السلوك الافتراضي مبني على عدم وجود تهديد وخطر بنسبة أكثر من 99% فلا يمكن للعقل أن يستوعب وجود خطر مصدره طفلة بعمر 12 سنة، لكن العقل الأمني المريض والبناء المهزوز للجنود والعنصرية البشعة والأصولية الدينية في التعامل مع الفلسطيني، كل هذه العوامل قلبت الأمور رأساً على عقب. وحولت لعبة الأطفال إلى تهديد وجودي. تعامل الجنود مع ديما كنِدٍّ وكمقاتلة بعمرهم (18 سنة فما فوق)، ألقوها أرضاً وأوثقوا يديها من فوق ظهرها، وأحاط بها حشد من جنود مدججين بالسلاح، وتم نقلها إلى معتقلات الكبار في أجواء حربية، وصولاً إلى التحقيق معها ومحاكمتها وهي مقيدة بالأصفاد وانتزعوا الاعترافات منها في أجواء من الترهيب، بمعزل عن حضور أحد أقاربها أو محاميها. رحلة الطفلة ديما إلى عالم السجون هي أشبه بكابوس هز المشاعر الإنسانية بصرف النظر عن الانتماءات. كابوس دعا لإمعان النظر في احتلال يزداد توحشاً ويُفْرِط في حماقاته التي تنتمي إلى اللامعقول واللا إنساني واللاأخلاقي، وإلى غير ذلك من صفات يندى لها جبين البشرية. تقول «ساري بشي» مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين: يُعامل الأطفال الفلسطينيون بأساليب كفيلة بإرهاب البالغين وإصابتهم بالصدمة. وتضيف: «إن قوات الأمن الإسرائيلي لجأت بشكل ممنهج لاستجواب الأطفال دون حضور الآباء، ما يعني خرق القوانين الدولية والإسرائيلية التي تنص على تدابير حماية خاصة بالأطفال المعتقلين كعدم اعتقال أو احتجاز الطفل إلا كحل أخير، واتخاذ احتياطات لضمان عدم إكراهه على الاعتراف بالذنب، كما تطالب «اتفاقية حقوق الطفل». وتقر المنظمة الدولية بعدم التزام إسرائيل بالمعايير الدولية وتدابير الحماية التي يكفلها القانون الإسرائيلي بشأن الأطفال المحتجزين، وتصف ذلك بالأمر المقلق للغاية؛ نظراً للتصعيد في اعتقال الأطفال أثناء «أحداث العنف» الأخيرة التي كان الأطفال طرفا فيها». وترصد المنظمة نموذج الطفل فايز بالصوت والصورة. «ظهر فايز وهو يدخل المتجر ووراءه ضابط شرطة يرتدي زي مكافحة الشغب، ثم يمسك به، يتملص الصبي منه ويمضي إلى وراء الكاونتر، ثم يظهر الشرطي وهو يجره على الأرض. ويمسك به لينهض، ويصفعه، ثم يأخذه إلى مدخل المتجر، وظهر في المشهد 6 عناصر شرطة إسرائيلية آخرين على الأقل، يرتدون جميعاً الخوذات والسترات الواقية، يشاركون في الاعتقال، رغم أن فايز يظهر متعاوناً معهم، ويقوم أحد ضباط الشرطة بضرب الصبي وهو واقف بشكل مستقيم، ثم يظهر آخر وهو يشل حركته – لفترة قصيرة – إذ لفّ أصابعه حول عنق الصبي. وتناوب 6 أو 7 من رجال الشرطة على ركله في ساقيه وظهره ورأسه، فيما راح المارة يصرخون فيه بالعبرية، ويسبون أمه وأخته بالعربية. عدم اعتقال أو احتجاز الطفل إلا كحل أخير. أجهزة الأمن الإسرائيلية تقوم بعكس ذلك، الاعتقال هدف أول وعدم الاعتقال استثناء قليل الحدوث. كانت حادثة اعتقال جنود الاحتلال للطفل الفلسطيني ابن الخمس سنوات «وديع مسودة» من الخليل الموثقة بالفيديو تقدم نموذجاً على الوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الأطفال الفلسطينيين. أما البند الذي يدعو إلى اتخاذ احتياطات لضمان عدم إكراه الأطفال على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليهم. فقد أجابت عنه دراسة منظمة «مرصد المحاكم العسكرية بأن 3% فقط من الأطفال الفلسطينيين الموقوفين في الضفة الغربية أفادوا بحضور أحد الأبوين أثناء الاستجواب من أجهزة الأمن الإسرائيلية. رغم أن إسرائيل صادقت على «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» في العام 1991 والتي تتعامل مع اعتقال الأطفال كإجراء اضطراري أخير، وصادقت على «اتفاقية حقوق الطفل» التي تنص على عدم إكراه الأطفال على الاعتراف بالذنب في العام 1991. الانتهاك الإسرائيلي الفظ للقانون الدولي وللاتفاقات التي وقعت عليها إسرائيل لا تقتصر على أجهزة الأمن، فقد قام الكنيست الإسرائيلي بتشريع الانتهاكات الإسرائيلية عندما أصدر في تشرين الثاني 2015 قانوناً يسمح بإنزال عقوبات بالسجن لفترات أطول على الأطفال المدانين برمي الحجارة تصل إلى السجن لمدة عشرين عاماً، ويسمح للحكومة بتجميد مدفوعات الرفاه الاجتماعي المقدمة لعائلات الأطفال الفلسطينيين الذين يقضون عقوبات بالسجن. وبفعل ذلك ازداد عدد الأطفال في سجون الاحتلال بنسبة 150%. فأصبح وراء القضبان 450 طفلاً وطفلة. التعامل العدائي العنيف مع الأطفال أثناء الاحتجاجات السلمية، وعدم الالتزام بالقوانين والاتفاقات التي تلزم الدول والجيوش باعتمادها، هذا التعامل الشاذ يفسر التعامل الوحشي مع الأطفال أثناء الحرب. فقد سقط 530 طفلاً شهيداً أثناء الاعتداء على غزة عام 2008- 2009، وسقط في عدوان 2012 حوالى 42 طفلاً شهيداً، وسقط في عدوان 2014 على قطاع غزة 437 طفلاً شهيداً. وإذا أضفنا الضحايا والشهداء من الأطفال في الانتفاضتين الأولى والثانية وفي الهبة الأخيرة. سنجد أن نسبة الضحايا كبيرة وفي تصاعد. الأمر الذي يستدعي طرح هذه القضية من مختلف جوانبها على المؤسسات الدولية ومنظمات الاختصاص والرأي العام من أجل تأمين الحماية للأطفال الفلسطينيين. ويستدعي أيضا وفي الجهة الأخرى، مواءمة الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني مع منظومة القوانين والاتفاقات التي تصون حقوق الأطفال ولا تسمح لهم بتجاوز طفولتهم.