هل يمكن أن تتقاسم السعوديـة وإيـــران النــفــوذ علـــى المنطـقــة؟

a1452159809
حجم الخط

لم يكن ثمة موضوع في قمة مجلس التعاون الخليجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، التي عقدت في المملكة العربية السعودية، أهم من الموضوع الذي أثاره الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حول كيفية إحداث تقارب بين كل من الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران. ويأتي ذلك في أعقاب تنفيذ الاتفاق النووي في كانون الثاني بالإضافة إلى مقابلة جيفري غولدبرغ مع الرئيس أوباما حول نهجه الفلسفي في الشرق الأوسط. حيث ألقى أوباما اللوم على السباق المحتدم بين الرياض وطهران لأخذ القيادة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة الذي يشعل الحروب بالوكالة والفوضى في سورية، والعراق، واليمن، مجادلا أن كلا الطرفين بحاجة إلى تعلم “مبدأ المشاركة في المنطقة”. وفي القمة الخليجية، أعاد الرئيس أوباما التأكيد على ضرورة العمل نحو تكامل أكثر مسؤولية مع إيران في المنطقة. فكيف يحدث ذلك؟ وهل يجب على الولايات المتحدة أن تطمح لتنفيذ ذلك طالما أن النظام في طهران مازال يعتمد على حكومة ثورية؟ وقد طرح سيد حسين موسويان، المستشار السابق المقرب للرئيس الايراني حسن روحاني والباحث في جامعة برينستون، رؤية مماثلة في مقالة كتبها قبل القمة الخليجية. ويعتقد موسويان ان ايران هي الدولة الفائزة في السياق الحالي، إذ إن دول مجلس التعاون الخليجي “تتعثر في كل طريق يمكن تخيله تقريبا”. ويقترح موسويان أن المجتمع الدولي، وتحديدا الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، يجب أن يعمل على إنشاء نظام تعاون إقليمي يشمل إيران والعراق، ودول مجلس التعاون الخليجي. ويقترح موسويان نمذجة هذا النظام على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، التي تأسست خلال الحرب الباردة في العام 1975 لتسهيل الحوار بشأن المصالح الأمنية الأوروبية المشتركة، والتي ضمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وبغض النظر عن الدور المتواضع إلى حد ما الذي لعبته منظمة الأمن والتعاون في إنهاء الحرب الباردة، إلا ان فكرة موسويان ليست شيئا جديدا في حد ذاتها. فقد جادل القادة الإيرانيون منذ العام 1979 بأن منطقة الشرق الأوسط – ومنطقة الخليج الفارسي على وجه الخصوص – يجب أن تدار بشكل جماعي من قبل الدول الإقليمية ذاتها. وفي حين يبدو ظاهريا أن هذا التصور مناسب ومعقول، إلا أن الدافع وراءه أقل دبلوماسية. حيث تريد طهران دائما أن تبقي الولايات المتحدة خارج فنائها الخلفي، وذلك لأسباب أيديولوجية مرتبطة بالثورة الإسلامية ولأهداف استراتيجية تتعلق بإعادة صف ميزان القوى لصالحها والتقليل من التهديد القسري الذي يشكله الجيش الاميركي. وقد خاض الحرس الثوري الإسلامي الإيراني حملة بالوكالة ضد القوات الاميركية في العراق بين عامي 2005-2011 أسفرت عن مقتل ما يقرب من 500 جندي أميركي وجرح الآلاف من أجل تلك الأهداف على وجه التحديد. وكانت القوة العسكرية الأميركية هي السمة المميزة لأمن الخليج الفارسي منذ حرب العام 1991 لتحرير الكويت، ومع وجود الدرع الأميركية التي تحمي حلفاءها العرب والإسرائيليين، وتعمل في الوقت ذاته على عزل ايران، لم يتبق لطهران الكثير من الخيارات سوى مواصلة الردع وإسقاط السلطة العسكرية الأميركية من خلال وسائل مثل صواريخها الباليستية، والتحالف مع «حزب الله» اللبناني وبقية الوكلاء العسكريين الإقليميين التابعين لها، وقدراتها البحرية غير المتماثلة التي تهدف إلى تهديد حركة الشحن في الخليج الفارسي وهيمنة البحرية الأميركية. وقد كانت الجمهورية الإسلامية بإمكانها أن تلحق الضرر حقا بجيرانها وحلفائهم الغربيين، ولكنها كانت في موقف لا يسمح لها بوضع شروط الأمن الإقليمي، على الأقل حتى الآن. وترك منطقة الشرق الأوسط في أيدي إيران ودول مجلس التعاون الخليجي (ناهيك عن تركيا ومصر) سيكون أمرا صعبا للغاية بالنسبة لحلفائنا التقليديين، فضلا عن المصالح الأميركية. دول مجلس التعاون الخليجي هي صاحبة اليد العليا بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بالحديث عن القدرات العسكرية التقليدية، وخاصة القوة الجوية، حيث تنفق كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحدهما فقط أكثر من ستة أضعاف المبلغ الذي تنفقه إيران على الدفاع. وحتى إذا كانت جيوش دول مجلس التعاون الخليجي ليست هي الأفضل في تشغيل معداتها العسكرية الحديثة، فليس لديهم عموما سبب وجيه للخوف من الغزو الايراني. وتعتبر الصواريخ البالستية هي المشكلة الرئيسة لهذا التوازن العسكري. حيث تستمر إيران في إنتاج وتحسين صواريخ بالستية قصيرة المدى بوتيرة متسارعة، بصرف النظر عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة للسيطرة على إنتاجها واختباراتها. ودون دعم الولايات المتحدة لأنظمة الدفاع الصاروخي، سوف يكون من الصعب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تقاوم القوة الصاروخية الإيرانية الساحقة في نهاية المطاف. ومع ذلك، فإن الصراع السعودي الإيراني ليس صراعا سياسيا كلاسيكيا من أجل الهيمنة الأمنية، حيث إن مصدر الخوف الرئيس لدول مجلس التعاون الخليجي هو جهود الجمهورية الإسلامية لتغيير الأنظمة الدينية والسياسية في المنطقة. إذ تواصل طهران تصدير نفوذها وأيديولوجيتها الثورية عبر ما يسمى “محور المقاومة” (أو جبهة المقاومة) وشبكة شركاء الحرس الثوري الإيراني، والوكلاء، والميليشيات الشيعية التي تمتد من البصرة الى بيروت وتهدد بالسيطرة على اليمن والبحرين. حتى على مستوى السياسيين والدبلوماسيين الايرانيين، فإنهم يسعون لتعزيز فكرة الأمن الجماعي، التي يسعى لتنفيذها قادة الحرس الثوري الإيراني عن طريق الجهود الواضحة لتخريب نظم الدول القائمة وتعميق النفوذ الإيراني في الهياكل الأمنية العراقية والسورية، واللبنانية. وفي الآونة الأخيرة، قال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري: “تواصل جبهة المقاومة نشاطها لحشد العالم الإسلامي ضد الأعداء. والموقف الآن في العراق وسورية واليمن جيد؛ حيث يسير الوضع لصالح الثورة الإسلامية“. وكما كانت الحال خلال الحرب الباردة، سوف يكون من الصعب للغاية القيام بترتيبات الأمن الجماعي سواء كانت رسمية أو غير رسمية عندما تسعى دولة أو أكثر من دولة المشاركة سعيا حثيثا لتقويض حكومات الدول الأخرى. وترك اللاعبين الإقليميين لمواجهة هذه التحديات بمفردهم سوف يدفع المنطقة إلى معضلة أمنية أكبر بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وسيعزز تصعيد سباق التسلح أكثر من أي وقت مضى. وحتى إذا أنشأت دول الخليج قوات غير تقليدية قادرة على الاستجابة بشكل أكثر فعالية للأنشطة الإيرانية – كما صرحت بوضوح في قمة العام الماضي في كامب ديفيد – فمن غير المؤكد أن تكون القوات المناهضة، التي ترعاها المملكة العربية السعودية والتي ستكون على غرار الحرس الثوري الإيراني والمتصلة بجماعات سنية تعمل معها الرياض وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل في سورية، مفيدة على المدى الطويل لكل من المصالح الإقليمية أو الأميركية. تدور المنطقة في دوامة من انعدام الأمن، وإزالة الوجود الأميركي المهم للمنطقة من المرجح أن يخلق على المدى القريب مشاكل أكثر مما يعتقد أوباما أنه سوف يخلق حلولا. وربما مازالت المنطقة، كما يوصي موسويان، بحاجة إلى إشراف قوة عظمى لكبح جماح تجاوزات كلا الجانبين. ورغم ذلك، تطرح رؤيته دورا مساويا لموسكو، وبالنظر إلى ما أسفرت عنه اللعبة الروسية الجديدة في سورية، هل هذا حقا هو ما نريد أن نراه في المنطقة؟