نجت مصر من «فخاخ» ما سُمى بالربيع العربى، نتيجة وعى الشعب المصرى وتمسّك بهويته الوطنية من ناحية، ودور جيشها الوطنى من ناحية ثانية، وعندما نتحدث عن الجيش، فإننا نتحدث عن الشعب، فهو جيش وطنى لا يقوم على أساس دينى، طبقى، عرقى أو جغرافى، بل يتكون من جميع شرائح المجتمع المصرى التى تنصهر جميعها فى بوتقة صهر، فتشكل كتلة صلبة متماسكة. كان نتاج ذلك عدم قدرة الدول الغربية على تفهّم واستيعاب حقيقة دور ومكانة الجيش لدى المصريين، وكان الخطأ الأكبر هو التعامل معه بطريقة التعاطى نفسها، مع جيوش عربية استندت إلى أسس دون الوطنية من عرق، لغة، دين، أو جغرافيا، كما سحب عليه الغرب التعريفات والمفاهيم اللاتينية التى كانت تتحدّث عن العسكر وحكمها بمعزل عن الشعب، ومن ثم كانت صدمتها شديدة بعد أن فشلت مفاهيمهم فى فهم وتفسير وتحليل أداء الجيش، علاقته بالشعب، موقفه من السلطة وحدود تدخّله فيها، أيضاً لم تنجح مفاهيم ومصطلحات غربية من قبيل «حكم العسكر» فى استيعاب علاقة التلاحم بين الجيش والشعب فى مصر.
أدت هذه الخصوصية المصرية إلى نجاة مصر من فخاخ الربيع العربى، وإلى عودة الدولة المصرية ومؤسساتها سريعاً إلى العمل بعد فترة من التعطّل، كما وفر الجيش المصرى الحماية اللازمة للشعب من عنف وإرهاب الجماعات المتطرّفة التى سرحت فى بلادنا بعد الخامس والعشرين من يناير، سواء التى أخرجت من السجون أو التى وفدت من شتى بلاد العالم، وتحديداً تلك التى شهدت حروباً أهلية مثل أفغانستان، البوسنة، ألبانيا، ثم سوريا وليبيا والعراق واليمن، و(باستمرار) السودان. وتجلى الأمر بوضوح شديد فى الثلاثين من يونيو، حينما ثارت القوى المدنية على حكم المرشد والجماعة، ومعها جميع شرائح الشعب المصرى، عدا الإخوان والسلفيين، حيث اطلعت الأنظار إلى البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى يعنى بداية تدخّل الجيش لتلبية مطالب الشعب برحيل حكم المرشد والجماعة، فالقوى المدنية التى خرجت فى الثلاثين من يونيو، ومعها شرائح الشعب المختلفة كانت تتطلع إلى قرار القوات المسلحة بحماية الشعب وتلبية مطالبه، ودون تجاوب الجيش كانت الجماعة سوف تستخدم العنف والإرهاب لإسكات صوت المصريين، وكانت الأجنحة المسلحة للجماعة جاهزة للتدخل واستخدام السلاح ضد الشعب المصرى، لإجباره على الرضوخ لحكم المرشد والجماعة والتسليم بذلك.
إذن تدخّل الجيش بطلب من الشعب، بعدها كان المطلب التالى هو ترشّح المشير عبدالفتاح السيسى لمنصب رئيس الجمهورية، وهو المطلب الذى بدا شعبياً وعاماً، وهو ما تحقّق وسارت مصر على طريق التحول الديمقراطى والتنمية الاقتصادية، وهو طريق وعر وطويل، وسوف يستغرق فترة زمنية لن تقل عن عقدين من الزمان، المهم هنا طلقة البداية، وهى تحققت بوضع دستور جديد للبلاد، انتخاب رئيس الجمهورية، ثم انتخاب مجلس النواب. بدأت العجلة فى الدوران، وكان معروفاً أن الوضع الاقتصادى صعب للغاية، وثقافة المجتمع لا تتقبّل أفكار المواطنة والمساواة وتقاوم الإصلاح الدينى والتغيير الاجتماعى، القوى السياسية متعبة منهكة لم تتدرب على ممارسة السلطة وغير مستعدة لذلك، وثقافتها السياسية لا تختلف كثيراً عن الحزب الوطنى المنحل، وهى فى حاجة إلى اكتساب الخبرة عبر الممارسة الحرة.
السؤال: هل حدثت أخطاء أدت إلى تغييرات فى المشهد سياسياً وشعبياً؟
ذلك ما سوف نجيب عنه غداً إن شاء الله.
عن الوطن المصرية