من بين كومة فشل التفكير وتشويه الرؤية، التي منها فُصّلت سياسة الرئيس اوباما في الشرق الاوسط، والى جانب نقص القدرة على فهم الديناميكية الاقليمية والقوى المحركة لها، يبرز غياب المنهجية والثبات في كل ما يتعلق بطريقة التنفيذ الفعلي للمبادئ الأساسية التي بلورها في بداية حياته. أحد هذه الخطوط الموجهة كان فكرة الربط بين العناصر المنفردة للسياسة التي يختلف أحدها عن الآخر تماما.
رؤيته الأولية للبيت الابيض تضمنت الاستراتيجية الاقليمية الشاملة للشرق الاوسط، والتي تتضمن تقييدات متداخلة يرتبط أحدها بالآخر. مثلا خلقت الادارة ربطا قويا بين الساحة الاسرائيلية الفلسطينية وبين الساحة العربية الشاملة. وفقا لهذه الرؤية فإن تسوية المسألة الفلسطينية كانت تعتبر المُسرع الحيوي والشرط الأساسي لقيام تحالف سني قوي، توافق فيه العناصر المكونة له (على رأسها السعودية ومصر والاردن) على الانخراط في النضال ضد القوى الاسلامية المتطرفة والمتشددة، برعاية ودعم الولايات المتحدة فقط بعد أن تتم تسوية المسألة الفلسطينية. «الربيع العربي» وعملية تفكك كيانات سياسية عنيفة مثل ليبيا وسورية والعراق كان من شأنها أن تغلق الدائرة فيما يتعلق بالخطوط الأساسية لنظرية الربط التي أنتجها مصنع اوباما، نظرا لأنه نبتت مجموعة جديدة من التهديدات على المعسكر السني المعتدل التي لم تكن مرتبطة بتاتا بالقضية الفلسطينية.
رغم ذلك، فإنه بالنسبة لـ»كل رجالات الرئيس»، فإن التغييرات الكبيرة التي مرت على المنطقة والتحديات الامنية الشديدة التي تواجه اليوم السعودية ومصر والاردن، لم تؤد بهم الى اعادة تقييم نظرياتهم الأساسية. هكذا وحيث إنهم ما زالوا أسرى أحلامهم يواصل كبار رجال الادارة وضع المسألة الفلسطينية على سلم أولوياتهم. على هذه الخلفية فإن حقيقة أن رئيس الحكومة نتنياهو استبعد في الآونة الاخيرة حل الدولتين كخيار عملي في الظروف الراهنة، تم تصويرها من قبل البيت الابيض ليس أقل من كونها وصفة مجربة لتجسد الفوضى الاقليمية.
رغم أن ساحة الشرق الاوسط تواصل كونها بؤرة للحرب الاهلية الدموية وكونها مركزا للنشاطات الارهابية المتشعبة، ورغم أنه فقط في الآونة الاخيرة سيطرت ايران (بوساطة مبعوثيها الحوثيين) على مساحات واسعة في جنوب اليمن، تواصل واشنطن التمسك بصورة مصطنعة بنظريتها الأساسية. لكن فعليا الوقائع مختلفة تماما. ليس فقط أن استمرار تجميد الوضع بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية لم يقلل في الماضي ولا يقلل حاليا من مستوى البواعث للاعبين السنيين المركزيين للتعاون مع الولايات المتحدة من اجل وقف الانقضاض الشيعي الحالي في جبهة اليمن. لكن الاميركيين يظهرون ترددا زائدا وحذرا كبيرا في تصرفاتهم إزاء التحدي الجديد، حتى الآن على الأقل، حددوا «نشاطاتهم» في جبهة اليمن بالمستوى الاستخباري.
اضافة الى ذلك، في الوقت الذي بقي فيه الرئيس اوباما في السياق الفلسطيني يؤمن بدون تحفظ بنظرية الربط بين هذا العنصر وبين باقي العناصر والتحديات الاخرى، فإنه في السياق الايراني تواصل مقاربته الارتكاز إلى غياب أي ربط بين البعد النووي وبين باقي النواحي في تصرفات وسلوك طهران. وهكذا تواصل واشنطن هرولتها نحو الهدف المأمول والقريب اليوم أكثر من أي وقت آخر ألا وهو اتفاق الاطار النووي مع نظام آيات الله، وهي تغمض عينيها ازاء جهود طهران لتغيير معالم المنطقة. هي مستعدة للتوقيع على اتفاق الاطار النووي وكأن ايران لا تواصل نشاطاتها الهجومية في صحارى اليمن (وباقي نقاط المواجهة والانقسام في المنطقة، بما فيها العراق وسورية ولبنان)، وكأن دماء الـ 241 مقاتلا اميركيا الذين قتلوا في الانفجار المروع الذي نفذه «حزب الله» في مبنى المارينز في بيروت في 23 تشرين الاول 1983، لا تصرخ حتى الآن من باطن الارض.
سيثبت المستقبل القريب اذا ما كان البيت الابيض سيستيقظ من أوهامه ويواجه بصورة مباشرة ونشيطة التحديات التي تقف أمامه، أو يستمر في السير في موكب الحماقة والعمى والتنازل.