تهديد بانفجار أم تمهيد لتخفيف الحصار..!!

3c2d5ed8beb001be03eee0b489cc47bd
حجم الخط

من جديد عادت لغة الحرب تتصدر عناوين الأخبار لكن هذه المرة من الجانب الفلسطيني، تهديدات لم يعد بالإمكان تجاهلها، فهي لم تعد قاصرة على حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الديمقراطية، ولكن حين تصدر عن الجناح المسلح لحركة حماس وكذلك الشيخ إسماعيل هنية ثم تتحدث الجبهة الشعبية بنفس المنطق يجب أخذ الموضوع بجدية أكبر. "إما رفع الحصار وإما الانفجار" هذه الجملة التهديدية التي تكررت من قبل كل الذين تم ذكرهم كأن هناك إجماعا على شيء ما أو اتجاه ما، أعاد إحياء السؤال الذي سيطر على حديث العامة في كانون الثاني الماضي: هل هناك حرب؟ والحقيقة أن هذا الإجماع لا يمكن تجاهله، لكن ما يصدر عن حركة حماس باعتبارها الطرف الفاعل بل الطرف صاحب القرار الأول بالتأكيد يشير إلى ما هو قادم. هل نحن ذاهبون نحو تفجير الأوضاع؟ سؤال منطقي في ظل فشل كل المحاولات الساعية لإحداث اختراق في هذا الحصار الذي تشتد وطأته أكثر كلما أوغل الوقت، فغزة لم تعد تحتمل، وقد أوقفت إسرائيل توريد الأسمنت وأعلنت الأمم المتحدة وقف عملية الاعمار، وأن كل الضرائب التي يتم جبايتها لم تحل أزمة الرواتب بل صنعت أزمة أكبر للاقتصاد الذي تجمد فلم يعد ما يستحق الجباية، والمفاوضات مع القاهرة لم تدفع مصر لفتح المعبر، وأن كل الوعود التي أعطيت لحركة حماس لم تكن أكثر من مسكنات لإبقاء حالة الانتظار حتى تستمر عملية الضغط لتطويعها لاتجاه معين، ولم يستطع السفير العمادي تقديم أية حلول لأزمة الكهرباء ولا للمعابر، والغزيون باتوا أكثر غضبا وأكثر ضغطاً على الحكم بغزة. وأمام كل ذلك لابد من مخرج، فالحرب أحياناً واحدة من مخارج الضرورة حين تنعدم الخيارات، هكذا فعل السادات عندما اكتشف أن ليس لدى الحكومة من العملة الصعبة سوى 15 مليون دولار، رأى ضرورة إشعال المنطقة كما قال وبعدها ستأتي عربات الإطفاء، فالحرب هي استمرار للسياسة كما يقول خبراؤها، وعندما تتجمد السياسة وتنغلق الخيارات، وإن كان خيار المصالحة التي لم تتم أفضل الخيارات لكن حركة حماس تبحث عن خيارات أخرى. هذا واحد منها، ولكن علينا ألا نفصل بين هذه التصريحات وما يحدث على الجانب الآخر من مفاوضات بين تركيا وإسرائيل والتي بات الأتراك هذه المرة يعلنون عن "تقدم كبير" و"اقتراب المحادثات من مرحلتها الأخيرة"، فمنذ الاندفاعة الجديدة للمفاوضات في الأشهر الأخيرة اعتاد الطرف الإسرائيلي على بث أجواء تفاؤلية، لكن هذه المرة من يفعل ذلك هو الطرف التركي وعلى لسان الناطق باسم الرئاسة التركية "إبراهيم غالن" الذي أعلن في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي أن المفاوضات الجارية بشأن تطبيع العلاقات مع اسرائيل وفقاً للشروط التي حددتها أنقرة اقتربت من مرحلتها الأخيرة. كانت أنقرة قد حددت ثلاثة شروط لعودة العلاقات مع تل أبيب، وهي اعتذار إسرائيل ودفع تعويضات ورفع الحصار عن قطاع غزة، وقد استجابت إسرائيل للشرط الأول قبل ثلاثة أعوام العام 2013 حين هاتف رئيس وزرائها الرئيس التركي أثناء وداع الرئيس الأميركي أو كاستجابة لوساطته في مطار بن غوريون، وأما الشرط الثاني فقد أعلن سابقاً عن التوصل لاتفاق مالي تلتزم بموجبه إسرائيل بدفع ما تريد أنقرة، وأغلب الظن أن هذا شرط يسهل تنفيذه إسرائيلياً، لكن بقي الشرط الثالث وهو الحصار على غزة أو العقدة التي دارت حولها المفاوضات في الأشهر الأخيرة. اللقاء الذي عقد في لندن في السابع من نيسان الماضي بين وفدي التفاوض التركي برئاسة فريدون سينيرلي وكيل وزارة الخارجية التركية ويوسف تشخنوفر المبعوث الخاص لرئيس وزراء إسرائيل تمكن من تحقيق تقدم كما جاء في بيان الخارجية التركية بعد اللقاء والذي جاء فيه "أن وفدي الطرفين احرزا تقدماً نحو التوصل لإعادة العلاقات بين الجانبين، مؤكداً أنه تم الاتفاق على وضع التفاصيل النهائية لاتفاق في الاجتماع القادم". هناك أسباب فلسطينية للتصعيد أو للانفجار كما تسميه الفصائل، ولكن وسط أجواء تقدم المحادثات التركية الاسرائيلية والحديث عن اقتراب الاتفاق والذي يشمل غزة والحصار هل يمكن إشعال الوضع؟ من الصعب قول ذلك، فقبل يومين ذهب رئيس الوزراء التركي إلى قطر للاجتماع برئيس المكتب السياسي لحركة حماس لمدة ساعة مغلقة لا أحد يعرف ماذا دار بينهما، ولكن لا يمكن فصل ذلك الاجتماع عن المفاوضات التركية مع إسرائيل أو ربما أن أوغلو كان يضع السيد مشعل أمام ما أسمته الخارجية "التفاصيل النهائية" لأن هناك التزامات مترتبة على حركة حماس سيشملها الاتفاق إن تم توقيعه بين الطرفين، هذه الالتزامات ستكون بضمانة تركية إن تمت، لذا فإن كل التهديدات الصادرة من قطاع غزة يمكن فهمها في سياق ثلاثة احتمالات: الأول:أن "حماس" ضاقت ذرعاً بالحصار الذي اشتد خلال الشهر الماضي وأصبحت الحرب خيارها الوحيد أو على الأقل التهديد بالحرب لدفع الأطراف بالتدخل، وهذا ليس الاحتمال الأقرب نظراً لتطورات ملف سفينة مرمرة لكنه احتمال وارد. الثاني: أن التهديدات بالحرب هو استدعاء لورقة قوة في يد المفاوض التركي على طاولة المحادثات لتدعيم الموقف وتحقيق أكبر قدر من الانجازات في مراحلها الأخيرة، كما قال ابراهيم غالن متطابقاً مع بيان الخارجية التركية. الثالث: هو أن التهديدات تنطلق اعتقاداً من حركة حماس أن هناك اتفاقاً تركياً اسرائيلياً محتملاً يتعلق بقطاع غزة يتضمن تخفيف قيود الحصار أو تقديم تسهيلات بما يسمح باعتبار ذلك إنجازاً، ومن هنا يمكن لحركة حماس أن تقول إن تهديداتها القوية حققت إنجاز تخفيف الحصار. تتبلور لدى القيادة العسكرية في إسرائيل تقديرات منذ بداية العام بضرورة إيجاد مخرج للوضع القائم بالقطاع تحسباً لانفجار لا تريده سيكون نتيجة طبيعية للضغط الزائد، وقد يتقاطع ذلك مع المصلحة التركية بالنزول عن الشجرة بإيجاد  حل وسط بين الجانبين يحدث تخفيفاً ما للحصار. ولكن السؤال هل سيتم ذلك بمعزل عن السلطة التي تعتبر أن ما يتعلق بقطاع غزة يجب أن يمر من خلالها؟ ربما تكمن الاجابة فيما حدث قبل أسبوعين عندما التقى الرئيس أبو مازن برئيس الوزراء التركي الذي استدعى فريدون سيزلي رئيس الوفد التركي لوضع الرئيس عباس بصورة المفاوضات، وقد تحدد زيارة الرئيس الفلسطيني لأنقرة بعد ثلاثة أسابيع التوافق التركي الفلسطيني ما قاله الأتراك للسيد مشعل وما سيقولونه للرئيس أبو مازن سيحدد وجهة المحادثات مع إسرائيل أو الاتفاق، وحينها يمكن الحديث عن تسهيلات لا عن تصعيد. والسؤال الآخر الذي لا يمكن إغفاله عندما يجري الحديث عن تقدم هو الموقف المصري الذي وضع "فيتو" على التقدم التركي تجاه غزة معتبراً أن القطاع جزءاً من الأمن المصري هل تراجع المصريون؟ أو هل نجح الملك السعودي في تخفيف حدة العداء التركي المصري، واذا تم هل ينعكس ذلك على ملف غزة؟ المباحثات بين أنقرة وتل أبيب دخلت بتفاصيل إنشاء محطة الكهرباء بغزة بعد رفض سفينة الكهرباء وكيف ستتزود المحطة بالغاز والضرائب والبضائع، وممر مائي للسفن التركية وتفاصيل أخرى ...فهل تنزع نتائجها فتيل الانفجار؟ ذلك ممكن، وهنا يمكن فهم سياق التهديدات وخاصة من حركة حماس وجناحها المسلح، أما الفصائل الأُخرى وخصوصاً اليسار فيبدو أنه لا يعرف شيئاً، فقط يقول مثلها ..!