حققت حركة المقاومة الأسلامية (حماس)، فوزاً ملموساً في إنتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت، بحصولها على 25 مقعداً مقابل حصول حركة فتح على 21 مقعداً، مما يدلل على أن التنظيمين ما زالا يتمتعان بنصيب وافر من التأييد الجماهيري، على الرغم من مسؤوليتهما عن حالة الأنقسام والضعف والتراجع الذي تعاني منه الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الأحتلال ، وعلى الرغم من إخفاق المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواصلة طريقه لتحقيق أهدافه وتطلعاته، في جلاء الأحتلال عن الأراضي المحتلة عام 1967 وفق برنامج الحل التدريجي المتعدد المراحل في إستعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، في المساواة والأستقلال والعودة، وعلى الرغم من إتفاق التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب . ومع ذلك، فالذي يجري في الضفة الفلسطينية يتقدم على ما يجري في قطاع غزة، فالسلطة الفلسطينية بإدارة فتح لديها شكل من أشكال المشاركة مع الأخرين، ولديها تراث من العمل الجماعي والشراكة الجبهوية مع باقي الفصائل، ولذلك فهي تختلف نوعياً وجوهرياً عن شكل ومضمون إدارة حركة حماس لسلطتها الأنفرادية الأحادية لقطاع غزة . فازت حماس بأغلبية مقاعد مجلس طلبة جامعة بير زيت، وهو فوز ليس وحيداً تحققه في مؤسسات الضفة، فقد سبق فوزها في مؤسسات وبلديات، سواء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات أو في عهد الرئيس محمود عباس، وخاصة فوزها بالأغلبية لدى المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 ، وأهلها ذلك لتكليف الرئيس عباس ، لرئيس كتلتها النائب إسماعيل هنية لتشكيل حكومة حزبية خالصة من لون واحد في ذلك الوقت قبل الأنقلاب الحاسم في حزيران 2007 . إنتخابات المجلس التشريعي عام 2006 ، شكل نقلة نوعية في صيغة ومضمون المؤسسة الفلسطينية حيث غدت حماس شريكا قويا لا قدرة لطرف إستئصاله أو إبعاده أو القفز عنه ، وها هي إنتخابات جامعة بير يت تؤكد ذلك وتدل عليه، ولكن السؤال الجوهري هو : من الذي أجرى الأنتخابات ؟؟ وتحت سلطة من ؟؟ ومن الذي سلّم بنتائجها وتعامل مع مخرجاتها وإن كان بإمتعاض وعدم رضى ، ولكنه أقر بنتائجها وغدت واقعة وسلّم بها ؟؟ . لقد جرت الإنتخابات في ظل سلطة حركة فتح، سواء في إنتخابات المجلس التشريعي أو البلديات أو النقابات أو مجالس طلبة الجامعات !! والسؤال هو ماذا لو كانت حركة حماس هي التي تُسيطر على الضفة الفلسطينية هل تفعل ما تفعله حركة فتح ؟؟ وهل تقبل بما تقبل به حركة فتح ؟؟ سؤال إفتراضي ولكن جوابه نحصل عليه من خلال ما يجري في قطاع غزة ، حيث سلطة الحزب الواحد ، والسلطة الواحدة ، والقرار الواحد ، الذي تقوده حركة حماس دون مشاركة الأخرين منذ عام 2007 ، ومع رفض لممارسة أي فعل للأخرين من قبل حماس حيث ترفض أي مظهر من مظاهر المعارضة لسلطتها الحزبية المطلقة، وترفض أي شكل من أشكال مشاركة الأخرين معها في السلطة ، وترفض إجراء أي إنتخابات بلدية أو نقابية أو طلابية في قطاع غزة وهذا هو أهم مظاهر الخلاف والتباين بين الفلسطينيين الذين يتطلعون للأحتكام دائماً لنتائج صناديق الأقتراع ، وأن تكون الأنتخابات هي وسيلة الصراع والخلاف والحسم بين الفصائل والأحزاب والتيارات ، لا أن يكون الحزب الواحد واللون الواحد والتنظيم الواحد يحكم واقعهم ويمنع عنهم الأجتهاد والأبداع والتنوع والتعددية وحرية الأختيار ، فالسلطة الأيديولوجية العقائدية المتزمتة التي تمارسها حركة حماس ضد الوطنيين والقوميين واليساريين والمستقلين ، تجعل منها سلطة متسلطة لا تقبل الأخر ، وتبطش به بأشكال وأدوات ووسائل مختلفة ، فالمهم لدى حركة حماس والأولوية بالنسبة لها هو البقاء في السلطة والتمدد فيها وعليها بصرف النظر عن النتائج المدمرة لحياة الفلسطينيين الذين عانوا من الأحتلال ولا زالوا . لقد تراجعت حركة حماس عن كونها فصيلا مقاوما ، وتحولت إلى سلطة مركزية تمارس فعل السلطة وإستحقاقاتها مثلها مثل حركة فتح في الضفة الفلسطينية ، وهي تُسيطر منفردة على قطاع غزة ، ولكنها عجزت عن تقديم نموذج ديمقراطي إنتخابي وبناء مؤسسات مؤهلة تخدم إحتياجات أبناء قطاع غزة، بعد أن إنحسر الأحتلال عن قطاع غزة بفعل المقاومة وضرباتها الموجعة ، ما أرغم شارون على إزالة المستوطنات وفكفكة قواعد جيش الإحتلال عن قطاع غزة ، ليكون داخل قطاع غزة وقلبه محرراً من الوجود الأحتلالي الإسرائيلي ، وإن كان الأحتلال ما زال يحاصر قطاع براً وبحراً وجواً ، ولكن قلب قطاع غزة لم يتحول إلى نموذج إيجابي يوفر لأهاله وشعبه وسكانه الطمأنينة والأستقرار والتمتع بإدارة وطنية جماعية منتخبة ، وهذا هو البلاء الذي صنعته حركة حماس وفرضته بقوة السلاح والعقيدة السياسية على أهل قطاع غزة ، مرغمين .