التجنّد السعودي لصالح الأردن

1280x960
حجم الخط

أخيرا استيقظ أصحاب القرار في الرياض وقرروا انه حان الوقت للتجند في صالح الاردن. سبع مرات هبط الملك الاردني عبد الله في السعودية منذ أن تغير هناك الحكم في كانون الثاني الماضي، طلب ما طلب واستقبل بكتف باردة. في الصالونات السياسية لعمان لم يستطيبوا هذه المغازلة من طرف واحد، وفتحوا فما كبيرا عندما هبط الملك سلمان وحاشيته الكبرى في المغرب، في تركيا وفي ومصر وتجاوزوا الاردن «وكأننا عالقون عندهم في آخر القائمة، ويصرون على عدم فتح المحفظة». في الاردن، العطش للرافعة الاقتصادية ولخلق اماكن عمل لمئات آلاف العاطلين عن العمل، وجدوا صعوبة في الفهم لماذا لا تتراجع السعودية عن موقفها. وفقط بعد أن اعادوا السفير من طهران، تأزروا بالشجاعة ودعوا بشار الاسد الى الانصراف، اغلقوا مكاتب «حماس» واعلنوا عن تأييدهم للتحالف المهاجم في اليمن – بدأت السدادة بالتحرر. ويلمح لي دبلوماسي مجرب جدا في عمان بان اسرائيل نبشت خلف الكواليس، لاقناع من ينبغي اقناعه في الرياض. قبل خمسة ايام هبط الملك عبد الله في الرياض مرة اخرى. وقف الحاكم السعودي في نهاية البساط الاحمر وقدم للضيف استقبالا حرم اوباما منه. جلسا على الكراسي المذهبة، تابعا التوقيع على اتفاق أول من نوعه يضخ مالا طائلا الى الاردن. وتعلم الطرف الاردني الدرس من تورط السيسي في مصر ولن يكشف ما هو المقابل لقاء وابل الدولارات السعودي: هل سينقلون اراضي في صالح «جسر سلمان» الذي سيربط بين السعودية ومصر؟ قواعد عسكرية سرية في الاردن؟ ماذا سيخرج للسعودية مقابل المليارات؟ صورة وحيدة من احتفال التوقيع تكشف النقاب عن حملة نضجت خلف الكواليس: بين المملكتين، المملكة السعودية والمملكة الاردنية، يمكن لحادي النظر ان يلاحظوا المبعوث السري والصديق القريب لعبد الله. اربع سنوات وظف د.باسم عوض الله النشيط في تطوير العلاقات السرية بين القصرين في عمان والرياض. هو الذي نسج الاتفاق الاقتصادي وجلب للاردن وفودا من رجال الاعمال والمستثمرين من السعودية، للكشف عن الامكانية الكامنة ودون اخفاء المشاكل: مليون ونصف لاجئ من سورية، يحلون «ضيوفا» في المملكة، نصف مليون مهاجر من العراق ومئات آلاف العمال الاجانب نجحوا في كسر سوق العمل المحلية الى أدنى مستوى. اما اليأس والضائقة لدى المحليين، البدو، الاردنيين والفلسطينيين – فجعلا المملكة الصغيرة مادة اشتعال. اذا ما تحققت رؤيا المبعوث، فهذه امكانية كامنة لثورة اقتصادية تزيغ البصر. فاذا ارادت السعودية فانها قادرة على ان توقف الاردن على قدميه. رجال أعمال من جدة والرياض سيستثمرون في مشاريع بناء ومصانع في العقبة، وسيبدأ مستثمرون مبادرات تجارية في عمان وقطاع العاطلين عن العمل سيجدون عملا. لقد تعهدت السعودية بان تشتري منتجات نسيج وان تبيع في الاسواق في اوروبا والولايات المتحدة بتعرفة خاصة للجمارك والضرائب. ومن خلف الكواليس اعد مبعوث الملك «خريطة طريق» للمدى الفوري والبعيد. من يعرفون عندنا د. باسم عوض الله يعرفون بانه رجل فعل لا يضيع وقتا على الاقوال. فتيله قصير ورأسه فاعل. جذوره الفلسطينية في القدس، وهو وطني عنيد وبلا هوادة حيال الزملاء الاسرائيليين. «نتنياهو يكرهني حقا»، حرص على أن يتباهى فور انكشاف خطة الاستثمارات السعودية. لاسرائيل توجد مصلحة واضحة في أن ترى الاردن يقف على قدميه دون أن يترنح. وفي المدى البعيد يمكن للمملكة المتعززة في الضفة الشرقية أن تنمو مكانة جديدة حيال مؤسسات السلطة الفلسطينية. ففي 70 سنة وجوده لا نذكر اردنا مستقلا وقويا. يوجد هنا الكثير من المادة المشوقة للتفكير الابداعي والامكانيات السياسية الكامنة مقابل مسيرة لا تجري بين نتنياهو وابو مازن. اسرائيل، مثلما يبدو هذا الآن، ستشجع السعوديين على ازدهار الاردن.