الـسـيـاح الإسـرائـيـلـيـون «يُـغـرقـون» الأردن فـي عـيـد الـفـصـح

165e171286c1cc8ff17b2c6e33d38936350
حجم الخط

إيهاب شاب اردني، صمت محرجاً. فمن جهة يبدو أن له موقفاً متصلباً نحو الاسرائيليين بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص، ومن جهة اخرى فإن اولئك الاسرائيليين يقدمون له مصدر الرزق في السنوات الاخيرة. وعندما ضغطنا قليلا أبدى الرضا. "أنتم كذا وكذا" أجاب. إجابة ملخصة، لكنها تعكس بشكل جيد تعامل الاردنيين مع موجة الاسرائيليين التي اغرقت المملكة الهاشمية في عيد الفصح. قد يكون السبب هو الوضع الامني في سيناء، فلا أحد يريد وضع روحه على كفه أو رأسه بين أيدي "داعش" هناك. وقد يكون السبب هو الاسعار المنخفضة نسبيا في العقبة قياسا بعاصمة السياحة الاسرائيلية ايلات أو اماكن سياحية في الخارج. ولكن هذا الفصح اختار فيه آلاف الاسرائيليين اجتياز الحدود، مع العائلات أو بدونها. في كل موقع سياحي مشهور في الاردن وصلنا اليه، سمعنا اللغة العبرية مدوية. في البتراء وفي وادي رم وفي الصحراء وفي جرش. وسمعنا عددا من المرشدين الاسرائيليين وهم يشرحون للزوار عن المواقع. وحسب المعطيات الرسمية، عبر 60 ألف اسرائيلي المعبر الحدودي الجنوبي، معبر رابين القريب من ايلات، في طريقهم الى الاردن. وتقول التقديرات إن هذا العدد سيزداد هذه السنة، حيث إنه في الفصح فقط عبر أكثر من 10 آلاف اسرائيلي الى الدولة الجارة. معظمهم عبروا من معبر رابين، وآخرون عن طريق نهر الاردن في الشمال، وقلة عن طريق مطار رمات عمون. واولئك الذين لهم جوازات سفر أجنبية عبروا من معبر اللنبي. يدور الحديث عن مجموعات، وافراد والكثير من رحلات الجيبات. ولم يفاجؤوا في المعبر الحدودي من عدد الزوار، حيث استعدوا مسبقا لاستيعاب الاسرائيليين. "وصلت الى هنا مع زوجتي وأبنائي من اجل تناول وجبة العيد مع العائلة"، ضحك داني من بئر السبع وهو أب لولدين، حيث أبقى سيارته في ايلات واختار البقاء في العقبة. "لقد خططت لقضاء العيد في ايلات، لكن زوجتي شاهدت الاسعار في العقبة، فقمنا بحجز الفندق ونحن سعيدان جدا". إيلات؟ بتاتاً يوم الاحد، في ساعة مبكرة، خرجنا باتجاه معبر الشيخ حسين من اجل العبور قبل الاكتظاظ. وعندما وصلنا تبين لنا أننا لسنا الوحيدين الذين اردنا الهرب من الاكتظاظ. وتبين فيما بعد أن هذه هي الساعات الاقل اكتظاظا. وفي ذلك اليوم وصل المئات من الاسرائيليين الى المعبر لقضاء الاجازة. اغلبية الاسرائيليين الذين عبروا الحدود معنا جاؤوا في مجموعات منظمة. ولكن كان يمكن رؤية الكثير من مجموعات الاصدقاء وعلى ظهورهم حقائب كبيرة وأوعية كي يستطيعوا القيام بالطبخ ايضا. "لو اردنا الراحة في الفنادق لكنا سافرنا الى تركيا. نريد استغلال الاجازة في التنزه في الاماكن الاثرية والسياحية في شرق الاردن"، قال ايلي ودانيال، وهما شابان من مستوطنة كبيرة في "يهودا" و"السامرة"، مصممان على عدم تسمية المملكة باسمها. ايلات؟ بتاتا. ايضا بسبب الاسعار، وبسبب ثقافة السياحة الاسرائيلية التي لا تناسبنا أبدا. وفي جميع الاحوال نحن نحب الميدان، والتعرف على العالم عن طريق الاقدام، أن نطبخ، وأن نتمتع بالتواصل مع الأرض. الاسعار في الاردن ليست رخيصة، مقارنة مع تركيا. الدينار الاردني قيمته أكبر من قيمة الدولار الأميركي (5.28 شيكل)، الدخول الى المواقع السياحية مكلف وفي كل زاوية ينتظرك مرشد سياحي يريد منك البقشيش. ومع ذلك، الاسعار أقل مما في ايلات أو من السفر الى اوروبا. الموضوع الامني أيضا ليس قاطعا. حسب معطيات وكالات الامم المتحدة يوجد في الاردن مئات آلاف اللاجئين الفارين من سورية المحترقة. وعلى الحدود الشمالية تواجه مملكة عبد الله مجانين "داعش". ويضاف الى ذلك التحذير الذي نشرته هيئة محاربة الارهاب، حيث كتب عن الأردن: "بسبب تهديدات الارهاب المتواصلة بناء على القرب الجغرافي لنشاط منظمات الارهاب في سورية ومصر وبسبب عداء قسم من الجمهور الاردني لاسرائيل، فهناك تهديد حقيقي على الاسرائيليين في الاردن. توصية هيئة محاربة الارهاب هي الامتناع عن الزيارة أو البقاء في مناطق الأردن. هذه التوصية لم يهتم بها آلاف الاسرائيليين، ويسعى الاردن ايضا الى توفير الشعور بالأمن للسياح، حيث يضعون رجال الشرطة وقوات الامن في كل مكان. العداء الذي تحذر منه هيئة مكافحة الارهاب يمكن رؤيته هنا وهناك. بالضبط مثل العلاقات بين قادة الدول فان الكثيرين من مواطني الاردن لا يحبون ما يرونه وراء الحدود: معاملة الفلسطينيين، الصراع الذي لا يتوقف، والمعلومات التي يحصلون عليها من وسائل الاعلام حول ما يحدث في الحرم. "أنتم ضيوفنا"، قال لنا سعد، وهو أحد العاملين في العقبة، "ولكن هذا لا يعني أننا نوافق على ما تقوم به دولتكم". لم يتعود الاردنيون بعد على جموع الزوار من الدولة التي كانت عدوة قبل 21 سنة. "على الاقل أنتم تتصرفون هنا بشكل جيد"، قال سعد وضحك، "توجد صورة للسياح الاسرائيليين بأنهم سيئون. وأنا لم أصادف أحداً كذلك. الاسرائيليون الذين يأتون الى هنا هم على كفيك". عدم الظهور كإسرائيليين سعد على حق. معظم الإسرائيليين الذين التقيناهم في الاردن اثناء الزيارة منحوا مضيفيهم الاحترام. لا توجد هنا ظواهر مثل "رحلة الشوكولاتة" أو طبريا. عائلات مع الاطفال، شبان يأتون بمجموعات، وجميعهم مهذبون. "يمكن أن يتغير هذا عندما يزداد العدد، قال دانيال، "السياح هنا لم يشعروا بالراحة بعد، حيث يصل الشبان مع عائلاتهم يريدون فعل ما يشاؤون". الأردنيون من جهتهم مضيفون جيدون، لكنهم يفضلون عدم إظهار أي علامة على اسرائيليتنا. وهذا لا يتعلق فقط بموقفهم منا بل ايضا لاسباب أمنية. وبين فينة واخرى قد يصل بلاغ للاسرائيليين فقط. مثلا، المطالبة بالتوقيع على وثيقة تعفي حكومة الاردن من المسؤولية عن الاسرائيليين الذين يتجولون في الوديان أو منع دخول المتدينين. في الحالتين هناك اسباب للقرار يمكن فهمها: اسرائيليون شباب مثل دانيال وايلي يرغبان في التجول وحدهما، والشيء الأخير الذي يريده الأردنيون هو تحمل مسؤولية مصيرهما. منع آخر يتعلق باليهودية، وهو منع ادخال شالات الصلاة الى الأردن. عندما عبرنا نقطة الفحص حذرنا الموظف مرة تلو الاخرى من أنهم اذا وجدوا الشالات فسيصادرونها. وفي نهاية المطاف نجحنا في اقناعهم أنه في هذا الوقت من العيد لا يتم استخدامها. لذلك لا حاجة اليها. وعندما سألنا لماذا يمنع ادخال الشالات، قال لنا الاردنيون: "هذا من أجل سلامتكم". وحسب وزارة الخارجية الاسرائيلية "السلطات الاردنية تطلب من الاسرائيليين المتدينين عدم ابراز الرموز الدينية: الشال، القبعة وغيرها. وقد تم منع دخول بعض الزوار بسبب ذلك، إلا بعد أن قام بترك تلك الاشياء على المعبر الحدودي". شيء آخر يمنع ادخاله الى الاردن وهو ارقام السيارات الاسرائيلية. لقد رأينا كثيراً من الاسرائيليين يغيرون لوحات السيارات ويضعون مكانها لوحات اردنية ويعيدونها عند العودة. تكلفة تغيير اللوحة هي 55 دينارا اردنيا (290 شيكلا). لا حاجة للحديث عن المواقع السياحية في الأردن. التاريخ هنا يصرخ من كل حجر والمناظر جميلة، العقبة مثل ايلان – البحر هو نفس البحر والخليج هو نفس الخليج – ولكن بشكل اجمل واكثر هدوءاً. يمكن البقاء هنا عدة اسابيع دون الشعور بشيء. ومن هنا ايضا يمكن الخروج الى جولات بالجيبات في البتراء وغيرها. تقول هيتاب عميت من القدس: "هنا رائع"، حيث جاءت مع والديها وشقيقها الصغير. "أريد المجيء الى هنا كل سنة في عيد الفصح، وفي المرة القادمة سنحضر معنا الجد والجدة وصديقاتي". يسمع الأب ذلك ويستشيط وهو يصرخ "لا، لا"، "من الافضل ابقاء العقبة كما هي وعدم احضار ايلات الى هنا، وإلا فان تميز المكان سيختفي. يلائمني المجيء الى الاردن مرتين في السنة للسياحة، على أمل ألا نذهب من هنا".