أخذاً بمقولة «الوضع لا يحتمل الفراغ»، تحاول حكومة نتنياهو- بينت الإسرائيلية أن تملأ الفراغ القائم في ساحة الصراع بسبب جمود أو شلل العملية السياسية التام بمشاريع جديدة ولكن عملية ولا ينطبق عليها ما ينطبق على المبادرات السياسية التي ملأت الدنيا دخاناً وصخباً وتحولت سريعاً إلى زوبعة في فنجان. والمشروع الجديد - القديم يتعلق بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ليكون مصيرها كالقدس الشرقية التي ضمت مباشرة بعد عدوان العام 1967، مع فارق نسبي (من البيت اليهودي) لاتخاذ قرار به ومن ثم تشريع قانون ينظمه. وفكرة شاكيد «البريئة» تقضي بتطبيق القانون الإسرائيلي على سكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، تحت حجة المساواة بينهم وبين نظرائهم في إسرائيل أي خارج حدود 1967، في الحقوق والواجبات. فالمستوطنون المساكين ينطبق عليهم الحكم العسكري السائد على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. الفكرة تبدو كما لو كانت تهتم فقط بتسوية وضع الإسرائيليين في الضفة، علماً أنهم يحصلون على امتيازات كبيرة لا يحصل عليها المواطن الإسرائيلي خلف الخط الأخضر لا في أسعار البيوت والخدمات ولا في البدلات والإضافات التي ينالونها تحت بند المخاطرة، ناهيكم عن الأعمال وتوفير أيدي عاملة رخيصة ومشاريع مدعومة. ولكنها تصب في جوهر مشروع اليمين الذي يطمع في ضم الضفة الغربية كاملة أو غالبيتها إلى إسرائيل، وهو لا يعرف كيف يبدأ هذه العملية. فمن أقطاب اليمين من يقول: لنقم الآن بضم الضفة ولا نهتم لما يقول العالم فهذه أرضنا «أرض إسرائيل الكاملة»، ومنهم من يقول: لنضم الآن مناطق (ج) التي هي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتشمل كل المستوطنات وتشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية. وآخرون يقولون: لنبدأ بضم بعض المستوطنات وخاصة القريبة من القدس وبعدها الكتل الكبرى في الضفة على اعتبار أن الفلسطينيين وافقوا على مبدأ تبادل الأراضي وعلى ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية القريبة من خط الحدود. اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي تمثله وتنطق باسمه حكومة بنيامين نتنياهو لا يأخذ بالاعتبار الموقف الدولي، على رأي المثل «الكلاب تنبح والقافلة تسير»، فكل ما يسع المجتمع الدولي فعله هو الإدانة والشجب ولدى إسرائيل سجل حافل بهما يشمل قرارات عديدة ومتنوعة صادرة عن أعلى الهيئات الدولية، بل هي وصلت إلى مستوى البلادة، فماذا يضير إسرائيل لو أدان العالم من جديد إسرائيل المجال مفتوح وصفحات الكتاب تتسع. وهو لم يعد يطيق الصبر على الوضع ويعتقد أن المناخ الدولي مؤات تماماً لاتخاذ قرارات بالضم، كما فعل نتنياهو عندما أعلن عن ضم الجولان مجدداً وهي ضمت بقانون إسرائيلي منذ العام 1981. والعالم لا يعترف لا بضم الجولان ولا بضم القدس الشرقية من قبله. وهناك من يعتقد في إسرائيل أنه على ضوء الوضع الإقليمي المتفجر وحالة عدم الاستقرار وانشغال الإقليم والعالم بمشكلات كبرى تهدد الاستقرار والأمن الدوليين يمكن أن تمر خطوة ضم جزئي أو قرار على غرار قرار شاكيد دون أضرار جدية على إسرائيل تتعدى الشجب والاستنكار، خصوصاً وأن وضع الفلسطينيين في أسوأ حالاته، فهم منشغلون ببعضهم البعض، الانقسام والصراعات الداخلية وغياب المؤسسات والمساءلة وتعزز الدكتاتورية الفردية والفئوية وبداية بذور الفوضى مع حالة اليأس وفقدان الأمل بالمؤسسات والقيادات وبالمستقبل. لكن من يقع خارج اليمين إلى الوسط المعتدل و»اليسار» يشعرون بأن حكومة نتنياهو تقود إسرائيل إلى كارثة ليس فقط بجرها نحو مربع معاداة العالم والتمرد على النظام الدولي وتجاوز الخطوط الحمر، بل كذلك بتهديد الحلم الصهيوني ودولة اليهود مع فكرة الضم التي لابد وأن تضيف إلى إسرائيل سكاناً غير مرغوب فيهم، فالرأي العام اليوم لا يقبل فكرة التعايش مع الفلسطينيين حتى مواطني دولة إسرائيل، حتى من هم محسوبون على اليسار الصهيوني مثل قائد حزب (العمل) اسحق هرتسوغ يخاف من أن يظن الإسرائيليون أنه يحب العرب، فما بالنا باضافة عرب جدد ومخربين للدولة اليهودية. والعقلاء وهم أقلية بين الساسة المتنفذين يقولون لأترابهم: ألا يكفي أن علاقاتنا ليس جيدة مع الاتحاد الأوروبي وليست في أفضل حالتها مع الولايات المتحدة، وأن التوتر بدأ يظهر مع أهم حلفائنا وهم الألمان لتأتي شاكيد ونفتالي بينت وبعض المتطرفين ليزيدوا الطين بلة في خطوة لا طائل منها، وهي ربما تكون استعراضية بهدف التنافس على أصوات جمهور اليمين ولكسب رضاه. بعيداً عن الجدل حول جدوى المشروع الجديد لإسرائيل يجب أن يأخذه الفلسطينيون على محمل الجد والعمل بكل الوسائل لمنع تطبيقه ليس باطلاق تهديدات فارغة بل بالذهاب نحو استراتيجية وطنية شاملة وخطط عمل تفصيلية للتصدي للفكرة التي تبدو مجنونة الآن ولكننا قد نجدها واقعاً في وقت أقرب مما نتوقع. ومرة أخرى يبدو الحديث عن استراتيجية وخطط وطنية في ظل الانقسام نوعاً من الهذيان. فلا أمل أن يأخذنا أحد على محمل الجد ونحن منقسمون وبائسون إلى مستوى الابتذال. وهذا ينطبق أكثر على إسرائيل التي تعلم واقعنا أكثر من أي طرف آخر وهي المتغلغلة في أمورنا الداخلية حتى النخاع وتستطيع التأثير بطرق شتى على هذا الواقع.