منذ بعض الوقت يلح علينا بعض الزملاء من كتاب الرأي، وهم، أيضاً، من صُنّاع الرأي العام الفلسطيني، حتى لو كانت آراؤهم ونصائحهم لا تجد آذاناً صاغية لدى صُنّاع القرار الفلسطيني، لأن تتوجه برسالة موقعة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن معبر رفح. طويلة ومضنية رحلة الحصار المشدد المضروب بقرار احتلالي إسرائيلي، يتغذّى على آلام نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة، ويتغذّى، أيضاً، على انقسام طال أجله، دون بارقة أمل في وضع حد له. خلال الأيام الأخيرة، بادر الاحتلال لاتخاذ جملة محدودة من الخطوات لتخفيف الحصار عن سكان القطاع على أن يظلوا داخل القفص، وضمن خطة سياسية تتصل برؤيته للتعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، الثابت فيها تكريس الانقسام وعزل القدس، والتوجه، أولاً، نحو ضم المناطق في الضفة التي تستولي عليها الكتل الاستيطانية كمقدمة لاختيار الظرف المناسب لضم مناطق (ج) التي تصل مساحتها إلى 60% من أراضي الضفة. لا يقدم الاحتلال للفلسطينيين إنجازاً ولو بسيطاً إلاّ لكي يحصل مقابل ذلك على ثمن أكبر يلبي تطلعاته التوسعية، ولذلك فإن من العبث توسل الرحمة وحسن السلوك من احتلال عنصري على حقوق الشعب الفلسطيني ويصادر أحلامه. ولذلك فإننا نتوجه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يملك القدرة، على تخفيف معانيات الناس في قطاع غزة، بدون انتظار حسابات أطراف الانقسام، وبدون التقيد بالحسابات السياسية الخاصة بالموقف من هذا الطرف أو ذاك. كثير من الفلسطينيين يعتبرون أن الثورة التي وقعت في مصر في الثلاثين من يونيو قبل ثلاث سنوات، أنها الصحوة التي حمت مصر وعديد الدول العربية من الانهيار والتمزق الذي كان ينتظرها بسبب التدخلات الخارجية ذات الطبيعة الاستعمارية. منذ تلك الثورة، اضطرت القوى الاستعمارية ذات المصلحة في تقسيم المقسم العربي، لأن تعيد حساباتها، وأن تتخذ خط «الانسحاب» التدريجي من المنطقة لأن مصر الكبيرة تحولت إلى القلعة التي تصد عن العرب، رياح مؤامرات التقسيم، والشرذمة. وكثير من الفلسطينيين، وأنا منهم، ينظرون إلى الرئيس السيسي على أنه عبد الناصر القرن الحادي والعشرين بصورة متجددة ومجددة. إن مثل هذه النظرة التي لا يمكن تعميمها على الكل الفلسطيني، لا تنطوي على أي قدر من المجاملة، ولا تنتمي إلى عالم الأوهام، بقدر ما أنها تقوم على قراءة تحليلية واقعية تبحث عن ممكنات نهوض الأمة من ضنها الشعب الفلسطيني وقضيته في زمن صعب، ووسط حالة من التشاؤم التي تصدر عن صراعات دامية تضرب المنطقة طولاً وعرضاً. من حقنا أن نحلم بزعيم صادق، عميق الإيمان بشعبه وبأمته، يعيدنا إلى أيام الزمن الجميل حين كنا نتعلم مجاناً في الجامعات المصرية، وحين كنا نقف خلف شبابيك البيوت القليلة التي كانت تملك مذياعاً حتى نسمع صوت الزعيم جمال عبد الناصر. لقد امتلك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قلوب المصريين وقلوب العرب، ما كان يقلق بعض الرؤساء والملوك العرب، الذين ناصبوه الكراهية دون أن يجرؤوا على مخالفته. كان عبد الناصر صاحب مشروع قومي بامتياز، وهو أكثر من عمق الشعور بالانتماء للقومية العربية لدى جماهير الأمة كلها. نعلم أن الرئيس السيسي قد ورث أوضاعاً داخلية شديدة الصعوبة والتعقيد، جعلت الحمل ثقيلاً جداً، وجعلت سلم الأولويات مختلفاً ويبدأ من ترميم الجبهة الداخلية، لتمكينها من تحمل الأعباء القومية الكبرى. وكما بدأ عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، وتنويع مصادر السلاح يبدأ السيسي بمشاريع كبرى، بحفر قناة موازية، والبدء بمعالجة مشاكل الإسكان، ومشكلات الطاقة، فضلاً عن مشكلة الأمن. نصيبنا كفلسطينيين مما يقوم به السيسي ويتوجه نحوه مؤجل، لكن هذا النصيب سيكون كبيراً، أو دعنا نحلم بأن يكون كبيراً ونوعياً، ولكن ثمة ما يستوجب الإقدام عليه بدون تأخير، ولأنه من القضايا التي لا تؤخر ولا تقدم في مسيرة النهوض الكبرى. معبر رفح يا سيادة الرئيس هو الرئة التي يتنفس منها مليونا فلسطيني في قطاع غزة، يعيشون منذ ثلاث سنوات في سجن محكم الإغلاق بدون ذنب اقترفوه إلاّ لأنهم يقاسون الأمَرَّين بسبب احتلال عنصري بغيض لا يعترف بشرع أو فرع، ولا بقوانين أو مواثيق دولية، هو احتلال مجرد من أدنى المشاعر الإنسانية. وكما يقول المثل «إن من أقدامُه في الماء ليس كمن أقدامُه في النار»، ونحن أقدامنا في نار حارقة. في قطاع غزة عشرات آلاف الطلاب الذين لا يملكون الفرصة للالتحاق بجامعاتهم، وفي قطاع غزة عشرات آلاف المرضى الذين ينتظرون الحصول على العلاج غير المتوفر في القطاع. وفي قطاع غزة عشرات آلاف الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم، وإقاماتهم في بلدان أخرى عدا عن طوابير طويلة من الخريجين الذين يبحثون لهم عن مستقبل وعمل لا يجدونه في القطاع. وفي قطاع غزة عشرات آلاف الأسر التي تنتظر فرصة لزيارة أبنائها في الخارج، أو لرؤيتهم في داخل القطاع. لقد قطع الحصار السبيل أمام مئات الآلاف من البشر، الذين يحتاجون إلى فتحة في جدار الحصار المشدد ويحتاجون إلى من يُضَمّد جراحاتهم. يا سيادة الرئيس أرجو أن لا تصدق من يراهنون على أن ترفع حماس الرايات البيضاء، فحماس لا تحبّ اللون الأبيض، ولا يمكن أن تتحول عن كتابها. لا نريد أن نجادل في فحوى وجدوى هذه المراهنة ولكن لم يعد ثمة مجال للاحتمال والصبر، الذي لا يأتي إلاّ بمزيد من الاحباط واليأس في ظروف تحتاج فيها إلى قوة الصمود وصلابة الإرادة. فلسطين وغزة منها لن تكون يوماً قليلة الوفاء لتضحيات مصر العظيمة دفاعاً عن الأمة وكرامتها ودفاعاً عن فلسطين وحريتها.