أعلنوها ثورة

0c9d60ce26d3b6a18adcfbf0630ff2f9
حجم الخط

تلك البقعة الصغيرة من الشريط الضيق الواقع شمال شرق شبه جزيرة سيناء والتي لا يتجاوز حجمها 365 كم، هي قطاع غزة هذا الجزء الأساسي من فلسطين وعروبتها، عايش سكانه واقع مرير من مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى أن تحول إلى نقطة للانطلاق نحو الاحتلال الإسرائيلي، وقلب موازيين الصراع العربي الإسرائيلي و قهر الجيش الذي كان يعتقد بأنه لا يقهر.

قطاع غزة ذاك الجزء الذي لا يمكن تجزئته من المشروع الوطني الفلسطيني الرامي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، واقتلاع الاحتلال ليس من غزة والضفة فحسب بل من فلسطين التاريخية.

أزمات متتالية عصفت في كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، حيث يعتبر أن الجانب الاقتصادي وتشديد الحصار من أهم العوامل المؤدية إلى نشوب المواجهة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي الذي يكثف من جرائمه في غزة والضفة والقدس وأراض 48، بالإضافة إلى الواقع السياسي المتأزم ما بين السلطة وقيادة الاحتلال والإعلان عن تحديد العلاقات مع الاحتلال جراء التنكر الإسرائيلي لكافة حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

جرائم الاحتلال تتصاعد في الضفة من حيث الاقتحامات والاعتقالات اليومية وحملات المداهمة لمنازل المواطنين، والمضايقات التي يتعرض لها فلسطينيو 48، والاقتحامات المتكررة من قبل المستوطنين بحماية شرطة الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك، وكان أخرها التصعيد الإسرائيلي الخطير في قطاع غزة والذي ينذر بنية الاحتلال العودة إلى سياسته القديمة في أن يستمر في عربدته من قصف وحفريات ويمكن أن يصل الحد إلى الاغتيال كما كان في السابق، وفي المقابل تريد قيادة الاحتلال أن تنفذ مآربها ومخططاتها وإجرامها الممنهج في ظل صمت فلسطيني ودون تحرك من المقاومة الفلسطينية.

ويحاول الاحتلال بذلك أن يختبر صبر المقاومة والشعب الفلسطيني، وأيضاً يريد أن يرى رد المقاومة سيكون في ذات الوقت أم أنها ستكتفي بالتصريحات، فما يصبو له الاحتلال ويروق له أن يستمر في هذا النهج الاستفزازي لسكان قطاع غزة من قصف وتدمير وتشديد للحصار وإغلاق للمعابر، لكن هذا النهج أثبت فشله في السابق ولم تتلقى قيادة الاحتلال الدرس بعد من المواجهة السابقة بعد سعي الاحتلال لوقفها بأي ثمن.

ويحاول رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو أن يبيض وجهه الأسود من خلال الاستمرار في المخططات الإسرائيلية المتمثلة بضم أراضِ الضفة الغربية، وتغيير معالم المدينة المقدسة، والضغط على فلسطينيو 48 ليغادروا إسرائيل سعياً لتحقيق يهودية الدولة، على أن يبقي في قطاع غزة بقعة جغرافية لا تستطيع أن تفعل شيء سوى أن تنتظر القرار الإسرائيلي.

واستغلت قيادة الاحتلال بذلك حالة الترهل العربي والانحياز الدولي لإسرائيل، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني الذي شكل عاملاً مهماً في تنفيذ المخططات الإسرائيلية بحيث يكون قطاع غزة والضفة مقسمين جغرافياً وسياسياً، فكان للانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس الدافع الأكبر في تنفيذ هذه المخططات التي أوشكت أن تنهي القضية الفلسطينية.

وفي المقابل تشديد الحصار على قطاع غزة جملة الاستفزازات، فإن المشهد السياسي الإسرائيلي في الداخل يعج بالكثير من الخلافات السياسية عدا عن الانتخابات, ما من شأنه أن يدفع باليمين الإسرائيلي المتطرف ونتنياهو بالتوجه نحو تحقيق إنجاز وهمي يتمثل في معركة جديدة في قطاع غزة.

وباعتقادي فإن العدو راهن على صمت كان سينفجر دون أن يفجره، في ظل الواقع المرير الذي يعيشه سكان قطاع غزة، وضياع الأفق والمستقبل وحالة التيه التي يعيشوها الجيل الشاب في غزة، هذه الجوانب الهامة لم تكن خافية على الاحتلال وما يريده أن يستمر في تضييق الخناق على الغزيين من كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية أيضاً دون أي رد فلسطيني، لكن ما لا تعرفه قيادة الاحتلال أن سكان قطاع غزة وجراء الظروف الاقتصادية الصعبة باتوا يتطلعون إلى مواجهة مفصلية مع الاحتلال فإما أن يحيوا كراماً أو يدفنون في كنف هذه الأرض.

هذا المشهد الضبابي الذي يخيم على قطاع غزة ينذر بأن المواجهة المقبلة ستكون صعبة على الفلسطينيين بلا شك، لكنها ستكون أصعب على المجتمع الإسرائيلي الذي لا يقوى على تحمل ويلات الحروب وتبعاتها، وأمام إنسداد الأفق وغياب الملامح للوجهة الفلسطينية وعدم وجود قرار فلسطيني موحد وغياب الدعم العربي تبقى المعالم السياسية غائبة، ما يحتم على الكل الفلسطيني أن يقف عند مسؤولياته أمام ضياع آمال وتطلعات هذا الشعب الذي يتطلع إلى الحرية والعيش بكرامة كباقي شعوب العالم.