على الأرض _ ليس هناك سوى سلطة واحدة!

image-YFCTO8YXJ3HBXUUS
حجم الخط

 

 

 
 

إعلان الأخ موسى أبو مرزوق أن تدخل مصر منع مواجهة جديدة بين غزة وإسرائيل، يقصد حرباً رابعة، يعني أو حتى أنه يؤكد أن «حماس» ليست لديها الرغبة، بشكل جلي وواضح، في الدخول في حرب مدمرة مع الجيش الإسرائيلي، وإن كانت الحركة وذراعها العسكري، في الوقت ذاته، لا يمكنها أن تقبل التوغل الإسرائيلي المتواصل داخل الأرض الفلسطينية.
من على يمينها ومن على يسارها، تلاعب إسرائيل بمراوغاتها وخداعها المعتاد، طرفي ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، سلطة فتح في الضفة الغربية وسلطة «حماس» في غزة، اللتين ورغم مرور أكثر من عشرين عاماً، لم تدركا بعد أن حدود «السلطة» الفلسطينية، لا تتجاوز الحكم الذاتي المحدود، الذي لا يتضمن الأمن، ولا بأي حال، ذلك أن إسرائيل ولأسباب عديدة لا يمكنها أن تعتمد على أحد فيما يخص أمنها ولا حتى الولايات المتحدة، لذا فإنه يمكن القول ببساطة: إن الفلسطينيين _ وهم يتصارعون على سلطة تحت الاحتلال _ قد نسوا أن السلطة الحقيقية والوحيدة في كل من الضفة الغربية وفي غزة، ما زالت هي سلطة الاحتلال الإسرائيلي. 
منذ العام 2002، وإسرائيل تمارس سياسة المطاردات الساخنة، بحجة ملاحقة مطلوبين، في مناطق ولاية السلطة فيما يسمى بالمناطق (أ)، فإسرائيل تتعامل مع غزة على أنها مناطق (أ)، وبعد كل هذه السنوات، وبعد أن «هبط» سقف مطالب السلطة في الضفة الغربية إلى حد المطالبة بالتزام إسرائيل بأوسلو، أي بعدم دخول تلك المناطق دون التنسيق مع أجهزة أمن السلطة، فإن إسرائيل لم ترد، ولم «ترتجف» في الوقت نفسه من التهديد المتواصل بمراجعة أوسلو أو حتى الامتناع عن الالتزام به، من قبل الجانب الفلسطيني، كذلك لم تعر بالاً لتهديد القسّام، قبل أيام بإحداث انفجار ما لم يتم كسر الحصار، بل إن إسرائيل وكرد عملي، تواصل ملاحقاتها أو مطارداتها الساخنة في الضفة الغربية، وأكثر من ذلك ردت بالفم الملآن على المبادرة الفرنسية بالرفض.
وعلى الجانب الآخر، أي الجبهة الجنوبية، اندفعت إسرائيل لتسخين تحدت فيه «حماس» والقسّام، بعد أن أطلقت «حماس» عدداً من القذائف لمنع الجرّافات الإسرائيلية من التوغل داخل حدود القطاع لفرض شريط أمني، عرضه من 150 _ 200 متر، وذلك لقطع الطريق على سلاح الردع الجديد الذي بحوزة القسّام، وهو الأنفاق، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل أقدمت على مدار ثلاثة أيام بتنفيذ غارات جوية على مواقع عسكرية فلسطينية، لتؤكد أن غزة مثل الضفة الغربية إنما هي مناطق حكم ذاتي، يحق لسلطة الاحتلال أن تفعل بها ما تشاء. وهل هناك من يمكنه أن يستنكر عليها هذا، في الوقت الذي يشاهد فيه العالم بأسره الدول العظمى، كذلك الدول الإقليمية المركزية، تتدخل هنا وهناك دون أي رادع أو واعز أو اعتبار إن كان في سورية أو اليمن أو ليبيا، وهي كلها هي دول مستقلة! 
الرفض الإسرائيلي للمبادرة الفرنسية جاء عشية اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي أكد البدء الفوري بتنفيذ قرارات المجلس المركزي، وذلك يعني مراجعة أوسلو، والتلويح بالتوقف عن التنسيق الأمني، وهذا يعني بوضوح أن إسرائيل لا تقيم وزناً بل هي ليست قلقة مطلقاً من التهديد الفلسطيني، كما هي كذلك غير قلقة من تهديد القسام، وكأنها تقول لطرفي المعادلة الفلسطينية الداخلية: «إيدك وما تعطي»، وهي في الحقيقة محقة تماماً، ذلك أنها تعلم كما الجميع يعلم، أن التهديد الكلامي لا يقدم ولا يؤخر، فما دام الفلسطينيون منقسمين بين «فتح» و»حماس»، وما دام أنهم ما زالوا يتصارعون على سلطة الحكم الذاتي، وبدلاً من أن يتوحدوا، كلاهما يعول على التفاوض معها، هذا من أجل إنهاء احتلال الضفة الغربية وذاك من أجل كسر الحصار عن غزة، وليس من أجل إنهاء الانقسام أولاً، ثم التفاوض مع إسرائيل بالتلازم مع مواجهة شعبية ميدانية.
ليس ذلك وحسب، بل إن الظروف الإقليمية على أسوأ ما يكون، فليس هناك موقف عربي ولا إقليمي موحد، بل على العكس العرب منقسمون، حول سورية، واليمن، بل متصارعون، وكذلك المسلمون أسوأ حالاً، فبين إيران والسعودية أجواء داحس والغبراء، وبين مصر وتركيا، حدّث ولا حرج... 
أما على الصعيد الدولي، فإن أميركا متفردة بالقرار الكوني، وأوروبا بالكاد تمارس دوراً يتباين هنا وهناك دون أن يقف في طريق البوصلة الأميركية، وحتى روسيا لا تعارض أميركا من موقع الأيديولوجية كما كان حال الاتحاد السوفيتي السابق، بل من موقع البحث والدفاع عن مصالحها، وهنا إسرائيل تعرف كيف تتوصل مع روسيا لمصالح مشتركة، فيما طرفا المعادلة الفلسطينية تائهان على طريق البحث عن حلفاء في عالم لا يعرف إلا لغة المصالح!
مجمل القول: إن إسرائيل وحتى لو توصلت إلى ألف اتفاقية هدنة أو إلى مئة اتفاق سلام، لا تتهاون فيما تعتقد أنه أمنها الإستراتيجي، ورغم أنها متأكدة من أن دولة فلسطينية تقام الآن ربما هي مصلحة إسرائيلية، حيث لن تتجاوز كثيراً «سلطتها» سلطة الحكم الذاتي الحالي، إلا أنها بالمعنى الإستراتيجي لا تضمن قادم الأيام، ورغم أنها ترى في حكم «حماس» والانقسام مصلحة لها، بل وفي تكريس مشروع دولة غزة، بكسر الحصار عنها من خلال ميناء وحتى مطار، مع ضمانة تركية وقطرية هدفاً بعيد المدى، إلا أنها لا تضمن ما يحدث بعد سنوات، لذا فإنها تؤكد بتسخينها جبهة غزة، حقها في «المطاردة الساخنة»، تماماً كما تصر على ذلك في الضفة، وما على الفلسطينيين إلا أن يضربوا رؤوسهم في الجدار، ومن يدري لعل وعسى، أن يؤدي «الضرب» في النائم، إلى أن يصحو من غفلته، ويدرك أنه ليس أكثر من واهم؛ فالسلطة هنا ليست لـ»حماس» وهناك ليست لـ»فتح»، فما زال الاحتلال واقفاً على ناصية الطريق، وما زالت لديه مفاتيح كل الأبواب المغلقة، والتي لن تنفتح على أفق الاستقلال، إلا بعد إنهاء الانقسام ورص الصفوف، وإطلاق كفاح وطني شعبي حاشد، لكنس الاحتلال.