تجولي معنا داخل أقدَم بيت أثري في غزّة

gaza-9
حجم الخط

بيت ليس كبقيّة البيوت، ففي قلب أحد أحياء مدينة غزّة القديمة، يتربّع بيت أثري يعود لما قبل 450 عاماً. يحكي لنا عن الماضي، يأسر قلبك ما إن تطأ أولى قدميك بابه الخارجي بفن العمارة العثمانية، غير أن هذا البيت كاد أن يُصبح أثراً بعد عين، لو لم ينتبه الدكتور طلعت سلامة إلى إعادته للحياة.
قبل دخول البيت ستقع عَيْنَا الزائر على «خارطة فلسطين» بحدودها الكاملة، تُزيّن أحد جوانبه إلى جانب الكوفية البيضاء المنقّطة باللون الأسود، ويعلوها عَلَم فلسطين.
أيضاً ستلحَظ الزخارف الهندسية جميلة الأشكال والألوان تزين الحائط الخارجي والباب القديم بلمساته الحديثة. وعند دخولك ستمر بممرٍّ مُعْتِمٍ يفصلك عن باحة مفتوحة إلى السماء تتلون بتلونها، تزينها النباتات الجميلة والزهور بروائحها الفوّاحة، وهناك كذلك الكثير من النباتات «الاصطناعية» الجذابة، التي تزيد من جَماليّة الطبيعة ولا تنقصها. ويشد النظر منظر السلالم الخشبية والزخارف والأعمدة الرخامية التي تزين جوانب فناء البيت، لتجعلك تجول بناظريك أكثر وتلحظ «البحرة» المكسوّة بالرخام، التي يتوسطها تمثال يشي بلمسات أنثوية هادئة.
تدخل إلى الليوان وهو القاعة المزخرفة بالزخارف الخشبية، لاستقبال الضيوف من المقربين.
أما القاعة الداخلية، فيقول الدكتور سلامة: «إنّ جَمَالها يكون ليلاً على عكس جميع أركان البيت، فقد قمت بوضع الكثير من الأضواء الداخلية والخارجية والملونة بألوان مُريحة للعين وجذّابة، والتي تعطيها جواً «كلاسيكياً» هادئاً، تُحبّب الضيف «الغريب» في الجلوس، حتى وإنْ تركناه فترة وحيداً، فلن يشعر بالضَّجر من الجو الذي وُضع فيه”.
بعدها، ستعبُر إلى باقي الغرف ليعرّفك الدكتور سلامة إلى مكتبته المنزلية الخاصة، التي تتآلف فيها الحداثة مع الماضي بودّ، كما أنك ستُكمل مسيرتك في «أرض الديار» لتتفحّص تلك البئر الخشبية، ولأول وهلة ستعتقد أنها مليئة بالماء، قبل أن يشرح لك الدكتور ويقول: «هذه بئر «الغلة»، وقد كانوا قديماً يخزنون الفائض من الغذاء لديهم في هذه الغرفة العميقة التي زيّنتها بالأضواء. لذا، قمت بإعطائها شكل البئر، وأضفت إليها ماسورة ماء لمزيد من الإيهام لمن يراها لأول مرّة».
بعدها، سيُحدّثك الدكتور طلعت عن «الزير»، وهو مكان مُخصَّص لجمع الماء، قبل أن يسمح لك بالصعود إلى أعلى لتفقُّد باقي البيت.
قبل وصولي إلى الـ«عِلِّيّة» نبّهني الدكتور سلامة إلى وجود غرفة صغيرة تفصل بين الـ«علية» و«أرض الدِّيَار»، وأخبرني أنه صَنَع من هذه الغرفة مكاناً للتخزين. والعلية «البهيّة»، تتكون من ثلاث غرف ومطبخ وصالة «واسعة»، تحوي المدخنة الدافئة الأنيقة. كما أنها تتميّز بـ«الشبابيك الملونة» التي تفرض نفسها على أشعة الشمس فتحوّلها إلى ألوانها الزاهية. بعدها، سمح لنا الدكتور بأن نصعد إلى السطح لنستمتع برؤية المنزل من أعلى، وعند وصولنا قال: «هنا مكان «الشِّيَاء» الخاص بي، وهو المكان الخاص لفرن زوجتي الطِّيني، والمكان الخاص لأرجوحة أطفالي”
وللبيت حكاية يرويها صاحبه قائلا: “ليس لنا نحنُ الفلسطينيين إلّا الماضي لنثبت أحقّيتنا في هذه الأرض. وحرّيتنا لن تتحقق إلّا إنْ أعدنا إحياء ما سَلَف مِن تاريخنا. لذلك بعتُ الفيلا خاصَّتي ذات الطراز الحديث، واشتريت بثمنها بيتاً عمره أكثر من 400 عاما، وأعدت ترميمه وسكنته مع عائلتي. وهو كغيره من البيوت القديمة، التي أعتبرها من مآثر العمارة العربية خلال عصور الازدهار، ويعد مثالا لجمال البيت العربي المغلَق من الخارج والمفتوح من الداخل. ولا يمكن لمن في خارجه أن يستشعر جَماله إلّا إن دخله، وهو نموذج للبساطة ‏الهندسية والتكوين والتشكيل الخارجي والرَّوعة والدِّقّة والإبداع”.