في 23 من شهر نيسان الفائت مرت سنتان على اتفاق االشاطئ 2014، آخر اتفاق رسمي تم التوصل اليه بين الطرفين الرئيسين في الانقسام الفلسطيني.
يومها حمل الاتفاق الكثير من الفرح والترحيب كما حمل كل اتفاق قبله، ولكنه حمل نفس القدر من التشكك والتساؤل.
مصدر الفرح معروف، انه اللهفة العفوية والعارمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، والترحيب بأي خطوة او اتفاق على طريقها.
اما التشكك والتساؤل، فكان له اكثر من مصدر. أحد المصادر ان الاتفاق لم يستطع حل قضايا أساسية بل تركها معلقة دون حلول ناجزة. مثل قضية رواتب موظفي حركة حماس في غزة وقد أحالها الاتفاق الى لجنة ادارية وقانونية على طريقة المثل المصري «اذا أردت قتل موضوع، احله على لجنة».
مصدر آخر من مصادر التشكك والتساؤل، قبول أحد الطرفين «حماس» كامل برنامج الرئيس، والذي هو رئيس الطرف الثاني. فقد حرص الرئيس، في نفس زمن الاتفاق وبعيده وخلال أيام التباحث في تشكيل الحكومة الجديدة، حرص في أكثر من تصريح علني التأكيد على مفاصل برنامجه الأساسية وعلى التأكيد انها تلزم الحكومة الموعودة. والمفاصل المذكورة هي نفسها التي ظل الطرف الآخر يناهضها حتى العداء.
عزز التشكك والتساؤل أن هذا السكوت/القبول تم بيسر وبدون تفسيرات او اشتراطات، ما أثار في حينه التساؤل عن دوافع هذا القبول، وعن جدية الدخول بالاتفاق وخلاص نية التقيد به وتنفيذه، والتساؤل ايضا عن مبررات القبول/السكوت والاستهدافات من ورائه.
النتيجة الواقعية الملموسة بجلاء تام ان التشكك والتساؤل هو الذي فاز.
بالمختصر، لا شيء من اتفاق الشاطئ تحقق. ما زال كل شيء على حاله قبل الاتفاق، بل زاد سوءاً وترسخاً وتفاقماً وامتداداً وأذى.
لو حاولنا حصر لائحة الاتفاقات والتفاهمات ولقاءات الحوار لوجدناها تطول:
بدايتها إعلان القاهرة 2005، ثم المساهمة المباركة للاسرى في معتقلات الاحتلال حين تقدموا بوثيقتهم الغنية والموضوعية 2006، لحقهما اتفاق مكة والقسم على أستار الكعبة 2007. هذه الثلاثة، وقبلها لقاءات دمشق وربما غيرها اقل علانية، كانت نتيجتها الانقلاب في قطاع غزة، وفصل القطاع عن السلطة الوطنية الشرعية.
الانقلاب انتج حكما متكاملا في القطاع تكرس وفرّخ مؤسساته المختلفة من حكومة وأجهزة وامن وغيرها. كما بلور عبر السنين سياسات وقوانين وانظمة داخلية، وسياسات وعلاقات وتحالفات خارجية كلها خاصة ومستقلة وبمعزل عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتوازي او التضاد معها في معظم من الحالات.
اي بالمختصر أنتج الانقلاب انقساماً كرس حكماً بجميع المواصفات التي تسمح بها ظروف قطاع غزة، الخارجية منها بالذات.
بعد الانقلاب جاءت اتفاقات وإعلانات أخرى: أهمها اتفاق القاهرة في نيسان 2011 الذي وافقت عليه جميع الفصائل والقوى الفلسطينية وكان الأكثر شمولية وتحديدا. واصبح هذا الاتفاق الأساس الذي تستند اليه كل الاتفاقات والإعلانات واللقاءات اللاحقة، وتركز دورها في السعي الى تطبيق بنوده، وإكسابها الترجمات التفصيلية المناسبة.
ثم كان اعلان الدوحة 2012 الذي قام على قاعدة اتفاق القاهرة، واقتصر على تشكيل حكومة موحدة والدعوة الى انتخابات عامة تقودها.
غير ما ذكر كان هناك حوارات ولقاءات في صنعاء وفي بيروت وغيرها.
في السنتين الأخيرتين، وبنتيجة انتقال مركز حماس القيادي اليها، تنشّط دور قطر بشكل ملحوظ فكان اللقاء بين الرئيس ابو مازن ووفد من «فتح» مع الأخ خالد مشعل ووفد من «حماس» برعاية أمير دولة قطر ومشاركته الشخصية في جلسته الأخيرة في آب 2014 .
وأخيرا كان اللقاء الذي جرى في الدوحة مؤخرا بين وفدين رسميين من فتح وحماس.
النتيجة لكل هذه الاتفاقات والتفاهمات واللقاءات ... لا شيء. لا يزال الانقسام على حاله ويزيد تكرسا وتعمقا ويفرّخ في كل يوم تعبيرات جديدة ويولّد حقائق جديدة على الأرض وارتباطات ومصالح تجعل الفكاك من اسره اكثر صعوبة وتعقيدا.
الآن يدور الحديث عن دور ومساهمة سويسرية لتذليل الخلافات الفلسطينية. ومن يدري فربما نجد انفسنا امام وساطات من الدول الكبرى ومؤتمرات شبيهة بمؤتمرات جنيف وفيينّا، وربما نحظى بوسيط دولي كما يحصل في التعاطي مع الوضع السوري واليمني والليبي.
هل الخلافات بيننا صعبة ومعقدة وعميقة الى درجة تفشل كل محاولاتنا، ومعها بعض الجهد العربي، على مدار عشر سنوات في حلها او حتى احتوائها؟
تزداد حرقة السؤال وألمه مع الوعي القاهر بحقيقة اننا جميعا نرزح تحت الاحتلال الصهيوني، واننا جميعا نرفع راية المقاومة وننادي بدحر الاحتلال عن ارضنا واقامة كياننا السياسي المستقل، وأننا جميعاً دفعنا ولا نزال ندفع الثمن الباهظ من دماء الناس والمناضلين ومن عذاباتهم وعذابات المعتقلين. أم ان كل هذا مجرد ادعاء بالنسبة للبعض؟
هل الهدف هو تعويدنا على الانقسام وقبوله كأمر واقع نعتاد التعايش معه، والضحك علينا بين فترة وأُخرى بلقاء أو اتفاق كما تقدم قطعة حلوى لإلهاء الأطفال ووقف مطالبهم؟
هل يراد لنا في النهاية التعايش مع فلسطين الشمالية تحت الاحتلال وفلسطين الجنوبية تحت حصار نفس الاحتلال.
في المسؤولية عن جريمة الانقسام هناك تفاوت. لكن ليس هناك من التنظيمات، اولا وبدرجة اقل القوى السياسية والمجتمعية، من هو بريء تماما. سواء كانت المساهمة بالجرم كبيرة ومقصودة ومخطط لها، او كانت بالتكاسل والتعايش معه وربما الاستفادة منه...او كانت بالخنوع والتقاعس .. او حتى كانت بالعجز وقلة الحول والحيلة.