بينما نجحت جهود الوسطاء في «تبريد» الحدود بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، بعد تسخين وتصعيد بين الجانبين خلال الأسبوع الماضي، إلاّ أن حالة «التسخين» لا تزال هي الغالبة داخل المستوى السياسي في إسرائيل إثر تسريب مسوّدة التقرير الذي أعده مراقب الدولة في إسرائيل حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل عامين، وبينما كلف مراقب الدولة لجنة بالتحقيق في كيفية تسريب مسوّدة التقرير، إلاّ أنه من الناحية الثانية ـ وهو الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق ـ أشار الى ضرورة أن تكلف القيادات السياسية والأمنية التمعُّن بما جاء في التقرير، عوضاً عن الحديث غير المجدي، حول تسريب التقرير، إذ أن حصر الأمر بالتسريب، محاولة للهروب من الاتهامات ـ الحقائق التي أوردها التقرير. تمعّن المستوى السياسي ـ الأمني في إسرائيل بما جاء في مسوّدة التقرير المسرّبة، وخرج بعدة اتهامات ضد مراقب الدولة، باعتباره قد دسّ أنفه بما لا يعنيه، خاصة في مجال الاستخبارات والاستراتيجيات!! ووصف هذا المستوى التقرير بأنه غير جدي، واعتمد على أقوال الصحف ووسائل الإعلام، بينما يشير مراقب الدولة، كرد على هذه الاتهامات، بأن التقارير والتحقيقات التي يجريها مكتبه تخضع لمعايير صارمة وتستند إلى حقائق صلبة، خاصة فيما يتعلق بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع تهديد الاتفاق في قطاع غزة، وعدم نقل حقائق الأوضاع الأمنية أثناء الحرب من قبل المستوى الأمني إلى المستوى السياسي والكابينت المصغر، باعتبار أن ذلك أدى إلى تمديد فترة الحرب أكثر مما ينبغي. انفاق غزة، كانت العمود الفقري لتقرير مراقب الدولة في إسرائيل، وهي ذاتها، انفاق غزة ـ كانت وراء التسخين ثم التصعيد على حدود القطاع مع إسرائيل وكأن هناك رابطاً متزامناً بين تسريب التقرير وردود الفعل عليه، وبين لجوء المستوى الأمني ـ السياسي في إسرائيل إلى إشاعة مناخ الحرب من جديد، شكل من أشكال الرد على التقرير، خاصة وأن هذا التسريب تزامن مع اكتشاف إسرائيل أحد الأنفاق العابرة من غزة إلى إسرائيل، في وقت لمحت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية أن اكتشاف النفق جاء متزامناً، أيضاً، مع الشعار الذي رفعته حركة حماس في أحد احتفالاتها مؤخراً: إما رفع الحصار أو الانفجار، والذي ـ حسب تلك الوسائل ـ فرض على الجيش الإسرائيلي التحسب من وضع هذا الشعار موضع التنفيذ، وان الانفجار ما هو إلاّ كناية عن إعلان حرب أو على الأقل التمهيد لها، الأمر الذي فرض على الجيش الإسرائيلي المضي قدماً لتحقيق إنجازات سريعة بالكشف عن أنفاق أخرى، حيث نجح في العثور على نفق آخر، من خلال سلسلة من عمليات البحث بالأجهزة الحديثة وأدوات الحفر العملاقة، بعد التزود بالمعلومات التي قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية، إنها مستمدة من اعترافات أحد المعتقلين لديها والذي خدم في حفر الأنفاق، إلاّ أن عملية البحث عن أنفاق أخرى، اقتضت من الجيش الإسرائيلي التوغل في أراضي قطاع غزة، باعتبار أن هذا التوغل كان بحدود 150 متراً، وهو تنفيذ لحق الجيش الإسرائيلي، حسب اتفاق 2012، كما تدعي إسرائيل، علماً أن الجيش الإسرائيلي، يتحكم بالنار بأكثر من هذه المسافة، وقد سمح مؤخراً للمزارعين الفلسطينيين بالوصول إلى تلك المناطق لجني محاصيلهم الزراعية، في لفتة تفيد أن الجيش الإسرائيلي، من الناحية الفعلية، يحتل هذه المسافة على الحدود، من خلال التحكم بها بالنار، وليس بالضرورة التواجد عليها عملياً!! وسؤال الحرب، يطرح بين وقت وآخر لدى المواطن الغزي طوال السنوات السبع الماضية، التي تخللتها ثلاث حروب، والصحيح، أن هناك حالة حرب دائمة، طوال تلك السنوات، وإذا كانت هناك ثلاث حروب بالفعل، فإن الزمن الحربي لم يتوقف عندها، هناك حالة حرب بين حرب وأخرى، ولا اقصد هنا المعنى المجازي بحروب إعادة الإعمار والبناء والبطالة والتعليم... إلخ، بل أقصد المعنى الحقيقي لحالة الحرب، فعند اطلاق أي صاروخ، أو عند أي توغل إسرائيلي، أو عند أي تصريح من هنا وهناك، وعند أي اكتشاف لإعادة بناء الأنفاق واختبار الصواريخ، هناك حديث غزي لا بد منه عن الحرب، فالمواطن الغزي، عاش ولا يزال حالة الحرب بشكل دائم، وهي الحالة التي تسير حياته اليومية، حتى من دون أن يدري، فالسلوك الاقتصادي والاجتماعي، رهن بهذه الحالة من انتظار للحرب، وبهذا المعنى، فإن الحرب ليست مجرد تبادل لاطلاق النار، بقدر ما هي حالة من اطلاق مشاعر انتظار الحرب الفعلية. وحتى بعد أن تبين أن الوساطات نجحت في تأجيل الحرب، ولم نقل وضع حد لها، إلاّ أن المواطن الغزي، الذي كان سعيداً بنجاح الوساطات، ما زال يعتقد أن الحرب قادمة، هي مؤجلة مؤقتا، ورغم قناعته بأن الطرفين، ولأسباب متباينة، لا يريدان هذه الحرب، إسرائيل وحركة حماس إلاّ أنه بات يعلم أنه إذا كان لطرف من الطرفين، أسباب تجعله يتخذ قراراً بإشعال الحرب، فإن الحرب ستندلع، حتى لو لم تكن لها مقدمات كما شهدنا في مقدمات الحروب السابقة. لذلك، فإن المواطن الفلسطيني الغزي، لا يخرج من حرب في انتظار أخرى، بل انه يعيش حالة الحرب في كل وقت، ويتعامل اجتماعياً واقتصادياً وسلوكياً، باعتبار أن الحرب قادمة، وإذا تجاوزنا المواطن الغزي في هذا السياق، فهناك الدول المانحة، التي تبرر عدم التزامها بوعودها لإعادة الإعمار، بالخشية من حرب جديدة ما يجعلها تمتنع عن الوفاء بوعودها، هي حالة حرب دائمة إذاً. أليس كذلك؟!