سأكون ساذج إذا ما قمت بتلخيص أو مناقشة رواية الياس خوري الجديدة في إطار هذا الحيز المسموح لي بفضاء المقال، ليس بسبب ضخامة الرواية (420 صفحة) وإنما ما تحمله اسم الرواية " أولاد الغيتو_ إسمي آدم" من تاريخ مازلنا في حالة تيه بكيفية التعامل معه أو أن نقنع ذاتنا بأن هذا ما حدث وننقل صمت الضيحة الذي مازال مختزن بكتب التاريخ الزائفة الى الواقع والحقيقة. كتب الكثير عن هذه الرواية_ الملحمة_ لهذا سآخذ اتجاه مختلف بأن أسقط هذه الرواية من الفعل الماضي الى الفعل الحاضر ضمن مشاهدات يومية نعيشها نحن كشعب ببناء فرضيتي: هذه الرواية نعيشها كأفراد كل يوم دون معرفتنا بأننا جزء من الرواية التي كتبها الياس خوري عن الماضي؛ إذن الماضي هو الحاضر المستمر.
الغيتو والأسلاك: غيتو اللد وأسلاكه أصبح يأخذ شكل المدن الفلسطينية "الكانتونات" في الضفة الغربية أو قطاع غزة كله اليوم عبارة عن غيتو؛ والأسلاك اليوم تأخذ شكل الجدار الذي يحيط كل مدينة/غيتو/كانتون. ذلك كله انعكاسات لما عايشه اليهودي في أوروبا على سبيل المثال " غيتو وارسو"، إذن مازلت الرواية وربما أخذت تنمو فما بين الغيتو والكانتونات والأسلاك والجدار تستمر رواية الياس خوري دون توقف من حيث التراكم الزمني كأداة قياس لما حدث ويحدث وسيحدث.
آدم: هو الرواية الفلسطينية بحد ذاتها مهما اختلف عليه الزمن أو المكان، آدم موجود في مختلف الروايات الفلسطينية؛ روايات غسان كنفاني على سبيل المثال (عائد الى حيفا)؛ موجود في لوحات إسماعيل شموط وربما يكون هو ذاته إسماعيل، آدم مازال حي في كل فلسطيني فوق الأرض أو تحتها ينتظر العودة ويتجسد ذلك على سبيل المثال لا الحصر في الوقت القريب بالشهيد الطفل محمد أبو خضير أو الطفل أحمد دوابشة بما تحمله الطفولة من معنى فما الفرق بين آدم الذي وجد على صدر امرأة وجدت ميتة تحت شجرة الزيتون عقب وقوع مجزرة اللد في تموز/يوليو 1948 و بين محمد وأحمد؟! بالتالي شخوص الرواية بتكاثر وكل شخص هو الرواية الفلسطينية بحد ذاتها.
الزمن: اليوم نحن على اعتاب الذكرى ال68 للنكبة، ما تقوله الرواية بأن الصمت هو اللغة المنبثقة من هذه المأساة، لكن المأساة حسب وجهة نظري هو استمرار الصمت ليس على الصعيد الفلسطيني الذي لم يستيقظ حتى هذه اللحظة وإنما على الصعيد الإقليمي والدولي الذي مازال صامت ويصمت بحق كل ما حدث ويحدث، وإذا ما قمنا بقراءة متأنية لزمن الرواية فإن الزمن يحيلنا إلى أسئلة العلاقة بين الهوية والتاريخ المستمر حتى اللحظة التي يولد بها أي فلسطيني على الكرة الأرضية. إذن العلاقة بين الزمن والصمت هي علاقة تكاملية كلما ازداد الصمت ازداد الزمن والعكس صحيح؛ ليلد الفلسطيني بهذه الرواية روايات لم يسجله التاريخ الماضي/الحاضر.
ما خرجت به من هذه الرواية، يجب علينا كفلسطينيين خلق/صناعة/تركيب مصطلح يحمل المأساة_الملحمة_ المستمرة في التعبير عن المجازر اليومية على صعيد الإنسان والأرض؛ وأن لا نكتفي بالمسميات الزمنية أو المكانية: النكبة، النكسة، مجزرة صبرا وشاتيلا، تل الزعتر، كفر قاسم، مجزرة الحرم الإبراهيمي.. الحرب على غزة، الانتفاضة الأولى.. الانتفاضة الثانية... هبة القدس..لأن الفعل الإحتلالي الكولونيالي هو ذاته منذ نشأته رغم اختلاف أدواته لكن الضحية واحدة. آدام والغيتو الرواية_ الملحمة_ المستمرة ولو اختلفت الأدوات والقيادات.