قرار اللجنة التنفيذية ل «م. ت. ف» بتحديد علاقات السلطة مع الدولة الصهيونية، مسألة مشكوك في القدرة على تنفيذها! نقول ذلك، لأنها ليست المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار. جاء الإعلان عن التحديد في مؤتمر صحفي عقده أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، بمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، حيث قال: «قررت اللجنة التنفيذية البدء الفوري بتنفيذ قرارات المجلس المركزي، والخاصة بتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الاحتلال، وذلك على ضوء تنكّر الحكومة «الإسرائيلية» للاتفاقيات الموقّعة، وإصرارها على تدمير خيار الدولتين، ووضع آليات التنفيذ لذلك». وأضاف «في ظل مواصلة الاستيطان في الأغوار ورام الله وكل الأراضي المحتلة، نعمل من أجل وضع ملف الاستيطان أمام مجلس الأمن بأسرع وقت في حال استكمال المشاورات».. بالطبع لم يوضح عريقات ما المقصود بتحديد هذه العلاقة!.
معروف أن المجلس المركزي للمنظمة قرر في الخامس من مارس/آذار 2014، تحديد العلاقة مع الكيان بكافة أشكالها (وبخاصة وقف التنسيق الأمني) وتحميل «إسرائيل» المسؤولية عن الشعب الفلسطيني بوصفها «قوة احتلال». لكن قرارات المجلس لم تنفذ حتى اللحظة واقعاً على الأرض. ثم، فإن الملحق (رقم 3) في اتفاق أوسلو نصّ بوضوح على التنسيق الأمني بين الكيان والسلطة الفلسطينية. أيضاً، لطالما سمعنا تصريحات من رئيس السلطة بوقف التنسيق الأمني مع الكيان وحل السلطة، غير أن لا هذا ولا ذاك تحقق على أرض الواقع، والدليل على أن هذا التنسيق مُلزم للسلطة التي أنشأت فور تشكيلها 10 أجهزة أمنية هي: الشرطة المدنية، الدفاع المدني، الأمن الوقائي، قوات الأمن الوطني، الشرطة البحرية، الشرطة الجوية، الارتباط العسكري، الاستخبارات العسكرية، الأمن الرئاسي (القوة 17) والمخابرات العامة. مع نهاية العقد الماضي أنشأ الرئيس الراحل عرفات جهازين إضافيين هما: الأمن الداخلي والقوات الخاصة، وبذلك أصبح عدد الأجهزة الأمنية 12 جهازاً، ويبلغ عدد المنتسبين للأجهزة الأمنية 70 ألف شخص وتستهلك 37% من النفقات العامة. بالنسبة للتنسيق الأمني مع الكيان يشمل 3 محاور رئيسية: دوريات مشتركة على الطرق (توقفت مع اندلاع الانتفاضة الثانية)، لجان أمنية مشتركة والتنسيق الأمني المدني. ثم وعلى مدى السنوات منذ إنشاء السلطة تكونت شرائح اقتصادية اغتنت كثيراً بوجودها، وهناك شريحة من السماسرة، وكل هؤلاء معنيون بوجود السلطة واستمرار بقائها وتنسيقها الأمني.
ما نقوله وباختصار شديد، أراد الكيان للأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما افترضت ذلك اتفاقيات أوسلو المشؤومة أن تكون وكيلة أمنية له في: المراقبة والتجسس واعتقال الفلسطينيين وتقييد حريتهم وتكبيل إرادتهم! قضية أخرى نطرحها.. نصف ميزانية السلطة تقريباً تذهب للإنفاق على هذه الأجهزة الأمنية، التي تتكاثر كالفطر في الجسد الشعبي الفلسطيني، وبخاصة تحت الاحتلال.
أيضاً، أدان محمود عباس رئيس السلطة، في مقابلة له مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية، عمليات المقاومة المجيدة، التي ينفذها شبان شعبنا البطل ضد قوات الاحتلال الفاشي الصهيوني وضد القطعان السائبة من مستوطنيه الهمجيين المنفلتين من عقالهم. إذ قال في المقابلة التي نشرتها المجلة أخيراً على هامش زيارته التي قام بها للعاصمة الألمانية «برلين» للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «إن التنسيق الأمني مع «إسرائيل» يسير على أحسن ما يرام»، مضيفاً بالحرف الواحد: «يمكنني القول إن الأوضاع في المناطق الفلسطينية تحت سيطرة أجهزتنا الأمنية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»! وأضاف أنه «قبل أيام قامت قواتنا باعتقال 3 من الشبان والتحقيق معهم ليتبين أنهم كانوا ينوون تنفيذ عملية ضد «إسرائيل»، ما يمكنني قوله إن قواتنا تعمل بكفاءة عالية لمنع «الإرهاب». كما رفض عباس إطلاق اسم «انتفاضة» على ما يجري في المناطق الفلسطينية من عمليات مقاومة فدائية ينفذها شباننا الفلسطينيون، مستطرداً: «نحن لا نشجع شبابنا على ارتكاب «العنف». وختم بالقول: «نجدد تقديرنا لدولة «إسرائيل»، التي ستعيش جنباً إلى جنب مع دولة فلسطين في سلام وأمن، وأنا على استعداد تماماً للجلوس مع نتنياهو.
سبق لرئيس سلطة أوسلو أن تباهى بإصداره الأوامر لمدير مخابراته بمنع عمليات المقاومة والطعن بالسكاكين لجنود الاحتلال ومستوطنيه، وأيضاً تفاخر الأخير بمنع وإحباط ما يزيد على 200 عملية ضد قوات الاحتلال الفاشي الصهيوني، وذلك في تصريح للتلفزيون الصهيوني قال فيه إنه أصدر الأوامر بتفتيش حقائب طلبة المدارس بحثاً عن سكاكين المطبخ، كما اعتبر التنسيق الأمني مقدساً، ونهج المفاوضات كخيار استراتيجي وحيد يتبناه! رغم عبثيته ولا جدواه وعقمه، ورغم أن الاستيطان الصهيوني تجاوز نطاق أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية!.
لكل هذه الأسباب، لا نتوقع تحديداً لعلاقات السلطة مع الكيان الصهيوني وخصوصاً على الجانب الأمني، فهو جوهر سياسته الموغلة في تدمير المشروع الوطني، وتقزيم الحقوق الوطنية الفلسطينية.