من تقرير الحرب على غزّة: نتنياهو ويعلون ضلّلا الحكومة

thumb
حجم الخط

في وقت بالغ الحرج لحكومة بنيامين نتنياهو، وفي ظلّ تزايد الصدامات بين المستويين السياسي والعسكري، جرى تسريب مقاطع من تقرير مراقب الدولة في إسرائيل عن أداء الحكومة والجيش في الحرب الأخيرة على قطاع غزَّة، والتي استمرت 51 يوماً. وقاد تسريب هذه المقاطع إلى تبادل اتّهامات داخل الائتلاف الحكومي، وبين عدة جهات وصولاً إلى اتفاق الكنيست على مناقشة التقرير والمطالبة بنشره.
وبلغ حرج الحكومة الإسرائيليّة مداه عندما جرى تسريب مقاطع من مسودة تقرير مراقب الدولة، في وقت يستعدّ فيه المجلس الوزاري المصغّر للبحث في الأزمة المتصاعدة على الحدود مع قطاع غزَّة.
وكانت تقديرات أشارت إلى أنَّ تزايد المناوشات والتصعيد على الحدود مع القطاع، قد يقود بسرعة إلى صدام واسع على غرار ما جرى في العام 2014. وفي كل الأحوال، فإنَّ إثارة أمر التقرير يدلّ على أنَّ حرباً جديدة يمكن أن تقع قبل أن يتمّ استخلاص العبر من الحرب السابقة. وهذا ما زاد الطين بلة في داخل الحكومة وبين الحكومة والمعارضة جرّاء التركيز على أحد أبعاد التقرير، وهو أنَّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، موشي يعلون، أخفيا المعلومات عن المجلس الوزاري المصغّر قبل وأثناء الحرب. ويحوي التقرير انتقادات حادّة لرئيس الأركان بسبب تقديمه تقديرات عسكريّة غير صحيحة للحكومة.
وكانت صحيفة «هآرتس» أوّل من نشر أجزاء من مسودة تقرير مراقب الدولة عن الحرب الأخيرة على غزة، وشملت انتقادات حادّة لنتنياهو ويعلون، وكذلك لرئيس الأركان السابق بني غانتس. وقد قدّمت هذه المسودة للمعاينة لأعضاء المجلس الوزاري المصغّر أثناء الحرب بهدف تقديم ملاحظاتهم قبل إعداد التقرير النهائي. وهذا ما قاد بعض أنصار نتنياهو لاتّهام وزير الخارجيّة السابق وزعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، بالوقوف خلف تسريب التقرير. وبالعموم يشير التقرير إلى أنَّ نتنياهو ويعلون لم يُطلعا أعضاء المجلس الوزاري المصغر على إنذارات الشاباك بشأن مواجهة محتملة مع «حماس» في تموز 2014، كما أنَّ المجلس الوزاري لم يناقش أبداً خطر الأنفاق إلى أن بدأت الحرب.
وأشارت مسودة التقرير إلى أنَّ نتنياهو ويعلون ضلّلا الحكومة، فيما كان رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، يقدّم تقارير موحياً بثقة عالية بالنفس، لكن هذه التقارير لم تكن تعبّر عمَّا يجري على الأرض. ومعروف أنّه خلال الحرب، تبادل كل من نتنياهو ويعلون من جهة الاتهامات مع كل من ليبرمان ونفتالي بينت حول أهداف الحرب وطرق إدارتها. وكان ليبرمان وبينت يعلنان مطالبتهما باقتحام غزَّة وإطاحة حكم «حماس».
وأثار نشر مقاطع من التقرير ردود فعل شديدة على الصعيدين الشعبي والسياسي في إسرائيل. إذ طالب الكثير من أهالي الجنود القتلى بنشر التقرير لمعرفة كيف سقط أبناؤهم في الحرب، ومن أجل أن يرى الجميع كيف تصرّفت الحكومة في الحرب.
ولكن رد الفعل الأشدّ حدّة، جاء من رئاسة الحكومة ومن رئيس الأركان السابق ومن قائد المنطقة الجنوبية حينها، سامي ترجمان، الذي دخل في سجال علني حادّ مع نائبه، يوم طوف ساميا.
وحمل المقربون من نتنياهو على مراقب الدولة القاضي يوسي شابيرو، معتبرين أنَّ دوافع مغرضة تحرّكه. وكتب دان مرغليت، كبير معلقي صحيفة «إسرائيل اليوم» المقرّبة من نتنياهو، أنَّ «مسودة تقرير مراقب الدولة عن عمليّة الجرف الصامد لا يجب أن تكون سبباً للمشادة الكلاميّة التي نشأت بين بنيامين نتنياهو ويوسف شبيرا. يبدو أنَّ الخلاف بينهما يرتبط بأمور أخرى». وأضاف أنَّ «الحكومة أدارت عمليّة الجرف الصامد بشكل صحيح، لكنّها لم تفسّر خطواتها أمام الجمهور بالشكل الصحيح، لأنَّها ليست استعراضيّة ولا تسعى إلى انتصار كامل، بل إلى اتّفاق مؤقّت طويل المدى. الجواب الملائم لتقرير مراقب الدولة هو باختصار: إسرائيل لا تريد احتلال القطاع. إنَّ احتلالاً كهذا، سيقلّل من الأمن ومكانة إسرائيل الدوليّة، وسيزيد من عدد المصابين. أهداف عمليّات كهذه، هي إطالة مدة وقف إطلاق النار وردع حماس. ومن يعد الجمهور بإنجازات أخرى من دون الاحتلال الكامل، يضلّل الجمهور بالديماغوجيّة».
أمَّا «هآرتس» فكتبت في افتتاحيتها أنّه «في عهد نتنياهو وقعت حملتان كبيرتان في غزة. عمود السحاب الجوية انتهت في غضون نحو أسبوع. أما الجرف الصامد البرية فكانت أطول بسبعة أضعاف وأغلى ثمناً بالضحايا الإسرائيليين بـ 12 ضعفاً. وانكشف فيها الإهمال في معالجة الأنفاق الهجومية لحماس. كما أنَّ إسرائيل لم تنجح في إيجاد دوافع ناجعة لنهاية سياسية للقتال.. وبدلاً من أن يرحّب نتنياهو بكل تحقيق غايته تحسين الاستعداد للأزمات التالية، ردّ المتحدثون باسمه بعداء على نشر تفاصيل من مسوّدة تقرير المراقب. ليست السياسة هي ما تُبحث في التقرير، بل أداء المستويين السياسي والعسكري: العمل الدراسي ومهنية الاستعدادات».
وفي تعليقه على ما جاء في التقرير، قال نائب قائد المنطقة الجنوبية في الحرب، يوم طوف ساميا، إنَّ «مهرجان توزيع الأوسمة بعد الحرب كان فضيحة وجاء لتغطية العجز». وأضاف: «27 وساماً هي في نظري فضيحة. أفيقوا يا رفاق. ثمّة في الأمر شيء. عندي شعور بأنَّ طابع الاستخلاصات، وطبيعة التحقيقات والأوسمة، جاءت لتغطّي على أمر ما، ولذلك فإنّني لست متفاجئاً من تقرير مراقب الدولة». وأضاف ساميا الذي انتقد إدارة الحرب: «لم أقرأ مسودة التقرير، ولكن مهما كان خطيراً، فإنّني لست واثقاً أنّه سيكون خطيراً بما فيه الكفاية». وأوضح أنّه اهتمّ في الحرب بمسألة الأنفاق، لكن أحداً لم يسأله رأيه حتى الآن حول ما جرى، ما يعني أنّه لم تكن هناك جدية وعمق في استخلاص العبر. وقال إنَّ عدم استدعائه إنّما يشير إلى خوف البعض من رأي ضابط وجنرال: «لقد خافوا من ذلك، وهذا يزعجني جداً. إنه أشدّ إزعاجاً من التكريم المفقود».
وأدان الجنرال سامي ترجمان الذي كان قائداً للجبهة الجنوبيّة أثناء الحرب أقوال ساميا، معتبراً إيّاها «هراء من أجل تشويه من نالوا الأوسمة، قبل يومين من يوم الذكرى. أنا فخور بهم وأخجل ممن يشوّه سمعتهم». وأثنى ترجمان على من خاضوا الحرب لتمكين الإسرائيليين من العيش بأمان وهدوء.
وقد وقّع 53 عضواً في الكنيست على مبادرة لكتل المعارضة لإجراء نقاش استثنائي في الكنيست حول نتائج تقرير المراقب الذي يحوي إشارات إلى مواضع خلل وإخفاقات كثيرة. ولم يتقرّر بعد موعد إجراء النقاش الذي يستدعي دعوة الكنيست من إجازتها السنويّة لعقد جلسة خاصّة.
وقال رئيس كتلة «ميرتس»، إيلان غيلأون، إنَّ «إخفاقات حكومة نتنياهو السابقة كما تتجلّى في مسودة التقرير المسربة خطيرة، وهي تثبت أنَّ أمن إسرائيل موضوع بأيدي حفنة قصّر، الإهمال عندهم ثناء. إنّنا نطلب وبشدّة على خلفية الأحداث الأخيرة في الجنوب، حضور رئيس الحكومة للكنيست لتقديم تقرير وردود واضحة للجمهور».