ماذا تريد إسرائيل: أي صورة أخلاقية؟

zjaqnwjcjaar
حجم الخط

تتصدر المشهد الإسرائيلي صورة الجدالات الحادة حول الموضوع الأخلاقي، وما زاد من حدة هذه الجدالات ما تحدث به نائب رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال يائير غولان الذي قال عشية إحياء ذكرى المحرقة انه يشخص أموراً تبعث على الغثيان تجري في إسرائيل في العام 2016، تشبه ما حصل في أوروبا وألمانيا قبل  70-90 عاماً. فهذه الأقوال حظيت بردود فعل غاضبة من قبل الأوساط السياسية وأوساط عديدة في المجتمع الإسرائيلي بما في ذلك مطالبات قوية على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي بإقالة غولان الذي جرؤ على تشبيه ما يحدث في إسرائيل بأفعال النازية في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية. الحقيقة المأساوية التي ينكرها الإسرائيليون في جدالاتهم هي التناقض الأخلاقي الفاضح بين ممارسة الاحتلال وادعاء الديمقراطية والتنور والأخلاق. قليلون فقط في إسرائيل يتحدثون عن الاحتلال بمفاهيم مناقضة للقوانين والأعراف والأخلاق الدولية. بل هناك غالبية أصلاً لا تقر بوجود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، على اعتبار أن إسرائيل أقيمت كحق حصري لليهود والشعب الفلسطيني هو طارئ في هذه البلاد ولا حقوق له فإما أن يقبل ما يعرض عليه وإما أن يتحمل ما يحصل له. وكل الأحاديث عن الأخلاق تركز على ممارسات مفضوحة وجزئية تحدث هنا وهناك، وكأن المبنى العام أخلاقي وهذه الممارسات هي الفعل الشاذ الذي يشوه الصورة. وربما يلخص المشهد ما كتبه الصحافي غدعون ليفي في "هآرتس" (الأحد 8/5/2016) عندما استغرب تصريحات وزير الدفاع وقادة الجيش التي تنتقد ممارسات الجيش، على اعتبار أن هؤلاء الذين في موقع المسؤولية لا يفعلون شيئاً لتغيير الممارسات، فهم يطلقون النار ثم يتباكون، وهم الذين يتحملون الإثم في أنهم "يقفون على رأس الجيش الذي هو وكيل من وكلاء الإفساد الأكبر للمجتمع الإسرائيلي". أي أن ادعاء الحفاظ على الأخلاق وحقوق الإنسان لا يستوي مع الواقع وما يجري على الأرض، بل هي محاولات لاستبقاء ما يمكن أن يواجه إسرائيل على المستوى الدولي نتيجة لانتهاكها القانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني. عندها سيقول هؤلاء قلنا لكم. وقد يحدث هذا بعد تدهور الخلافات الداخلية في إسرائيل إلى مستوى التناقضات الحادة التي لا تقبل الجسر في إطار رفض الآخر المختلف في الرأي والموقف وليس في الديانة أو القومية فقط. وأحد الأمثلة على ازدواجية المعايير الأخلاقية، قصة رجل الدين المسيحي جبرائيل نداف الذي دعا إلى تجنيد المسيحيين الفلسطينيين في اسرائيل في الجيش الإسرائيلي وأثار جدلاً واسعاً وانتقادات شديدة في أوساط الفلسطينيين في الداخل. فقد اقترحت وزيرة الثقافة ميري ريغف أن يكون من بين الأشخاص الذين يشعلون الشعلة بمناسبة ذكرى المحرقة واستقلال اسرائيل على الرغم من نشر تقرير في القناة الثانية الإسرائيلية يتهم الأب المذكور بالقيام بتحرشات وانتهاكات جنسية.  وهنا تجاهلت الوزيرة الإسرائيلية موضوع الأخلاق كلياً واهتمت فقط بمصلحة إسرائيل الصهيونية التي ترغب في رؤية الفلسطينيين في جيش الاحتلال. الجدل في إسرائيل لم يصل ولا يبدو أنه سيصل إلى معالجة القضية الجوهرية في الصراع وهي الاحتلال، فكل ما يشغل بال الإسرائيليين هو البحث عن صورة أخلاقية مقبولة دولياً، وهذا لا يلحظ تآكل قيم المجتمع الإسرائيلي تجاه نفسه كما هو بالطبع تجاه العدو الفلسطيني المغلوب على أمره. فعندما يدور النقاش حول الصيغة التي تحتفظ فيها إسرائيل بما يمكن من الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا يجري البحث في كيفية إنهاء الاحتلال والتوصل إلى سلام شامل ينهي الصراع ويضمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه الوطنية، بل إن أكثر المواقف إيجابية تطرح حلاً انتقالياً جديداً يقوم على الاعتراف بفلسطين في حدود مؤقتة حتى تتوفر الظروف ويصار إلى التوصل إلى حل دائم، فهذا يعني أن المشكلة الأخلاقية في إسرائيل كبيرة وجوهرية، وهي لا يمكن أن تتغير إلى مستوى الانسجام مع الادعاءات الإسرائيلية والتصنيفات التي يضعون دولتهم في نطاقها باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وفي الواقع لا أحد يعرف ماذا تريد إسرائيل، فكل مجموعة لها أجندتها الخاصة ولكن هناك ما يشبه الإجماع على الإبقاء على الدولة ذات الأغلبية اليهودية، مع أن الممارسات على الأرض تشير إلى عكس ذلك. فالحكومة الإسرائيلية التي تطالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل وطنا قوميا للشعب اليهودي تفعل كل ما يمكنه نسف هذه الفكرة من خلال نشر المستوطنات وتوسيعها ومنع قيام دولة فلسطينية. فيفعلون الشيء المناقض لرغباتهم وكأنهم يلعبون اليانصيب، ثم يتحدثون عن الأخلاق كترف فكري ونقاش صالونات لا جدوى منه طالما لم يعالج الخلل الأخلاقي الأهم والذي يجعلهم لا يستوعبون درس المحرقة وجرائم النازية. فالضحية أصبح جلاداً، يبكي على الماضي المؤلم ويخلق واقعاً لا يقل سوءاً. ودون صحوة أخلاقية ترفض فكرة احتلال وقمع الآخر سينتج عن إسرائيل مجتمع أكثر دموية وعنصرية تجاهنا وتجاه بعضه البعض. ولا يبدو أن هذه الصحوة ستحدث دون تدخل دولي صادم يُعرِّف إسرائيل على حقيقتها.