تجب الإشارة من الآن الى مجموعة التشويهات والاخطاء والإلغاءات التي تظهر في كتاب التعليم الجديد للتربية الوطنية. لكن قائمة كهذه مهمة وضرورية بحد ذاتها لا يمكنها إخفاء الغابة: النظرة التي يعكسها كتاب «أن تكونوا مواطنين في اسرائيل» هي تعبير صادق عن موقف اليمين السياسي والصهيونية الدينية بشكل خاص حول مسألة كيف يجب أن تُدار دولة اسرائيل. من هذه الناحية، جدعون ساعر، الذي بدأ بتحضير الكتاب ونفتالي بينيت الذي أنهاه، هما شريكان في الموقف الاساسي حول ضرورة اخضاع جهاز التعليم الرسمي للاجندة السياسية. سيجد الطالب العادي صعوبة في مواجهة الواقع المعقد من خلال الكتاب. وليس مؤكدا أن هذا هو الهدف. في الاشهر الاخيرة تم إدخال عدد من التعديلات والتغييرات على الكتاب، الكثير منها في أعقاب النقاش الجماهيري الذي دار في «هآرتس» ووسائل اعلام اخرى. على سبيل المثال تم حذف قصيدة ر. يهودا هليفي «قلبي في الشرق» التي كان يفترض أن تكون في مقدمة الكتاب ووضع مكانها فصل عن «اعلان الاستقلال». لكن تعديلات كهذه مثل الاسئلة المفتوحة، التي توجد في 509 صفحات، لا تزعزع القصة الكبيرة التي ترد تقريبا في كل صفحة. اليكم أساسيات الرواية المعروفة: صلة وحق اليهود بـ «أرض اسرائيل» هي أمور مطلقة، أما القومية الفلسطينية، في البداية على الأقل، فهي ليست كذلك. اغلبية الفلسطينيين هربوا في العام 1948 «خشية على حياتهم أو أنهم استجابوا لدعوات القادة المحليين أو زعماء الدول العربية المحيطة». الدولة القومية اليهودية هي النموذج المطلوب، للأقلية العربية يوجد مكان محدود في الحيز الجماهيري، الخيار العلماني (43 في المئة من السكان في اسرائيل كما جاء في الكتاب) يحظى باهتمام ضئيل مقارنة مع التفصيل حول التيار الحريدي (9 في المئة) والمديح للصهيونية الدينية (11 في المئة)، السكان العرب ينقسمون الى مجموعات ثانوية تُحاكم بناءً على تعاطيها مع الخدمة العسكرية أو الوطنية، و»الدروز الصهاينة» و»الهوية الآرامية» يحظون بالابراز. وموضوع آخر: الثورة الدستورية التي قادها رئيس محكمة العدل العليا السابق، البروفيسور اهارون براك، تم تحقيقها بالسرقة. قدمت وزارة التربية والتعليم، أول من أمس، للجمهور النسخة الجديدة من كتاب التربية الوطنية «أن تكونوا مواطنين في اسرائيل». في السنوات الست الاخيرة مر الكتاب بعملية تغيير، وقد رافق ذلك نقاش جماهيري وانتقادات من المهنيين. ويتبين من قراءة النسخة الجديدة أن وزارة التربية والتعليم استوعبت بعض الانتقادات. على سبيل المثال تم افتتاح الكتاب بـ «وثيقة الاستقلال»، وهو يشمل كثير من الاقتباسات من مصادر مختلفة، يهودية وغير يهودية، دينية وعلمية. واضافة الى ذلك تم اصلاح عدد من الاخطاء في الحقائق التي أشار اليها المحرر اللغوي للكتاب، يهودا يعاري. ومع ذلك يمكن ملاحظة توجه يختلف عن النسخة السابقة وجوانب كثيرة أثارت الانتقادات وبقيت بدون تغيير في الكتاب. يمنح الكتاب مكانة اساسية للموقف الديني، الامر الذي ينعكس في الاقتباسات الكثيرة من المصادر. ففي الوحدة الاولى التي تعتمد على «وثيقة الاستقلال»، يشير الكُتاب الى وجود مبرر واحد لاقامة دولة يهودية وهو «الوعد الالهي». يبدو الفصل الاول من الكتاب كرسالة دفاع عن وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية قومية. ويُعرّف الكُتاب نوع القومية في اسرائيل كقومية اثنية ثقافية تتصل بالأمة اليهودية، ويزعمون مرة تلو الاخرى أنه ليس هناك تناقض بينها وبين الديمقراطية. وبهذا يقلصون النظرة الانتقادية لهذا التعريف. ويقول الكُتاب إن «الكثير من دول العالم ومنها اسرائيل تتبنى نموذج القومية الاثنية الثقافية». بين الدروز والمسلمين الامر البارز في الكتاب هو التنكر للمجتمع العربي في اسرائيل، وخصوصا المسلمين. والكتاب يميز بين هويات كثيرة من غير اليهود – العرب، الدروز، الشركس والآراميين. الاخوين، رغم قلة عددهم، يحظون باسهاب واسع نسبيا. في الفصل ط «العرب، الدروز، والشركس في المجتمع الاسرائيلي»، كُتب «أغلبية من يتحدثون اللغة العربية يعتبرون أنفسهم جزءًا من الأمة العربية، والجزء الاكثر يعتبرون أنفسهم فلسطينيين». المسلمون يشكلون 83 في المئة من الاقليات في اسرائيل، وتم التطرق اليهم بمقطعين قصيرين، حيث تم ذكر التمييز ضد النساء. ولم يتم التعاطي بشكل مشابه مع مكانة المرأة في المجتمع اليهودي، والكتاب لا يقوم بذكر تعاطي الحريديين مع النساء. يحظى الدروز بحديث موسع وتضامن أكبر. «اغلبية الدروز لا يعتبرون أنفسهم عربا»، جاء في الكتاب. ويضيف الكُتاب أنه «خلافا لما هو سائد في اغلبية دول الشرق الاوسط، فان مكانة المرأة الدرزية تساوي مكانة الرجل». وهذا في محاولة لابراز الفرق بين الدروز والمسلمين، مع التشديد على اندماج الدروز في المجتمع الاسرائيلي: «المزيد من الشباب الدروز يصلون الى مواقع رفيعة ومؤثرة». الشركس ايضا تم وصفهم كمن يتضامنون مع الدولة بما في ذلك الخدمة في الجيش الاسرائيلي. وعن اللغة العربية جاء في الكتاب «إن مكانة اللغة في الساحة الجماهيرية ليست منهجية» وأن «جزءا من الوزارات الحكومية تمتنع عن تقديم الخدمات باللغة العربية». ورغم أن هذه الظاهرة تناقض القانون، إلا أن التعاطي معها لم يكن بشكل انتقادي. وعلى الرغم من أن الكتاب مخصص للتعليم الرسمي في اسرائيل، بما في ذلك المجتمع العربي، إلا أنه لم يشارك أي عربي في تأليفه. المستشار الاكاديمي الوحيد المشار اليه في الكتاب هو الدكتور افيعاد بكشي، المعروف بقربه من اليمين، وايضا الطاقم المرافق مكون من اليهود فقط. وقد قالت وزارة التربية والتعليم إنها حصلت على الملاحظات من مُقيّمين عرب، لكنها رفضت ذكر أسمائهم، وهم لم يوقعوا على الكتاب، الامر الذي يشير الى عدم موافقتهم على مضمون الكتاب. اسم رئيس اللجنة المهنية للتربية الوطنية، د. آساف ملاخ، الذي حسب مصادر في الوزارة كان فاعلا جدا في المراحل النهائية للكتابة والمونتاج، غير مسجل أيضاً. ينتقد نائب رئيس المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، البروفيسور مردخاي كرمنتسر، التعاطي مع المواطنين العرب في الكتاب. «في الجانب القيمي الايديولوجي هذا كتاب تربية وطنية مع توجه غير وطني خصوصا فيما يتعلق بالجمهور العربي»، قال واضاف: «تم اخراج العرب من الامور الجيدة المشتركة. وهذا حسب رأيي موقف معاد للتربية الوطنية وللديمقراطية، الامر الذي سيغضب كل مخلص للديمقراطية وكل يهودي ليبرالي في العالم. واذا خرجت هذه الامور خارج اسرائيل فهذا سيشكل سلاحا في يد من يريد سلب شرعيتنا». الهجرة ضد القومية في الفصل الاول للكتاب تم التشديد على الصلة بين اليهود و»ارض اسرائيل». وقد افتتح الفصل الثاني بقول «السيادة اليهودية كانت في ارض اسرائيل قبل آلاف السنين، في زمن الهيكل الاول والثاني. ومنذ ذلك الحين وعلى مدى السنين واثناء فترات المنفى ايضا، عاش اليهود في ارض اسرائيل ولم يتركوها على الاطلاق». هذه الصلة الخاصة لم يتم ذكرها في سياق الحديث عن العرب أو الفلسطينيين رغم أن الكتاب يذكر أنهم كانوا اغلبية قبل قيام الدولة. الكلمة التي لم تظهر في الكتاب بتاتا هي كلمة «استيطان»: لقد ظهرت فقط في اقتباس عضو الكنيست أحمد الطيبي. تم ذكر الكارثة كمبرر لاقامة الدولة اليهودية. وفي الفصل الرابع الذي تناول «مبررات قيام الدولة القومية» جاء أن «الشعب اليهودي ما زال نازفا بسبب قتل ستة ملايين من أبنائه». مبرر آخر هو مبرر ديني، «حسب ما هو سائد، فان توراة اسرائيل وحلم الانبياء تفرض على الشعب اليهودي اقامة السيادة اليهودية في ارض اسرائيل». وحسب د. هلالي فنسون من جامعة بن غوريون، التي انتقدت مسودة الكتاب، «إن جوهر هذا الفصل فيه اشكالية لأنه بدل النقاش في المواقف القومية والمدنية المختلفة، يتم ارسال رسالة حاسمة بأن هذا هو النموذج المفضل من الناحية الاخلاقية ايضا». طرحت الهجرة على أنها «عامل اضعاف» للدول القومية، الامر الذي يضر بـ «الصلة بين الدولة القومية وبين أبناء القومية الفاعلة. الامر الذي يُصعب تطبيق مبادئ الدولة القومية الاثنية الثقافية». وقد تم اعتبار التغييرات الثقافية على أنها امور سلبية: «التكنولوجيا الحديثة وبالتحديد الانترنت والشبكات الاجتماعية وشبكات التجارة التي تنتشر في العالم تحول العالم الى قرية صغيرة والى لغة دولية مشتركة. هذا الامر ينعكس مثلا بدخول الانجليزية الى كثير من الدول والحاق الضرر باللغة القومية، حيث إن الفنانين المحليين يكتبون وينتجون بالانجليزية من اجل الوصول الى جمهور أوسع». تقول د. ريكي تاسلر، من المنتدى الاكاديمي للتربية الوطنية: «ليس هناك صلاحية لوزارة التربية والتعليم من اجل حسم النقاش حول طابع الدولة اليهودية الديمقراطية، ولا توجد شرعية لفرض موقف مركزي على جميع التيارات».