مع مرور عشر سنوات على حرب لبنان الثانية (تموز 2006)، وخمس سنوات على الحرب الأهلية في سورية، التي يقاتل في إطارها "حزب الله" إلى جانب نظام الأسد، يقف هذا الحزب اليوم أمام مفترق طرق. فهو من جهة في ذروة قوته العسكرية، لكنه، من جهة أخرى، معزول سياسياً ويواجه أسئلة صعبة تتعلق بانعكاسات التسوية المستقبلية في سورية على موقعه وحصانته. فعملياً أدت حرب لبنان الثانية، التي وصفها حسن نصر الله بأنها "نصر إلهي"، إلى 10 سنوات من الهدوء على حدود لبنان، وهذا إلى حد بعيد نتيجة توازن الردع الذي حققته إسرائيل في مواجهة الحزب، وظروف محلية (في الساحة اللبنانية) وإقليمية (سورية، العراق، اليمن) تفرض على الحزب الامتناع عن خوض مواجهات مع إسرائيل في الساحة اللبنانية. منذ العام 2006 استخلص الحزب دروسه من المعركة، وطوّر إلى حد كبير قدراته العسكرية، ولديه اليوم قرابة 45 ألف مقاتل، بينهم نحو 21 ألفاً في القوات النظامية. وحوّل الحزب معظم القرى الشيعية في جنوب لبنان إلى مواقع محصنة فوق الأرض وتحتها، كما أنه بات يملك صواريخ ذات قدرة على الإصابة الدقيقة مع رؤوس متفجرة أكبر من تلك التي كانت لديه في الحرب السابقة، ويوجد لديه نحو 100 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية. كما وسع الحزب وحسن قدراته في مجال الطائرات من دون طيار، وفي الدفاع الجوي، ولديه صواريخ بر - بحر وصواريخ مضادة للطائرات، وقوّى قدراته في مجال جمع المعلومات الاستخبارية ومنظومة القيادة والتحكم التي لديه. خلال القتال المتواصل في سورية، راكم الحزب تجربة قتالية غنية تشمل استخدام أطر عسكرية بمستوى كتائب في عمليات هجومية. ويمكن تصور أن الحزب يتطلع في المستقبل في الحرب ضد إسرائيل إلى ترجمة هذه القدرة وتنفيذ هجوم بشكل متزامن على عدة مستوطنات وعلى مواقع منتشرة على طول الحدود في بداية الحرب. كما ينشط الحزب عملياً في سورية في مواجهة جبهة هضبة الجولان من أجل إقامة بنية تحتية إرهابية للعمل ضد إسرائيل. وتجري هذه النشاطات بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وبموافقة من نظام الأسد. ويمكن القول: إن قدرات الحزب العسكرية حالياً أشبه بقدرات جيش دولة منها بقدرات تنظيم إرهابي. وفي الوقت ذاته، فإن الحزب متورط بعمق في المواجهة الدائرة في سورية إلى جانب نظام الأسد، ويوجد هناك في أي وقت نحو 5000 مقاتل، أي نحو ربع قواته النظامية. وقد تكبد خلال سنوات القتال في سورية خسائر فادحة تقدر بنحو 1300 قتيل وأكثر من 5000 جريح. لقد فرض القتال في سورية على الحزب أعباء مالية ولوجستية كبيرة جرت تغطيتهما بصورة عامة من قبل رعاة الحزب في طهران. لكن في الفترة الأخيرة أدت المصاعب المالية التي تواجهها إيران، على ما يبدو، إلى المس أيضاً بحجم المساعدة المالية التي تمنحها للحزب، ما أدى بالتالي إلى المس بالنشاطات الجارية للحزب. وعلى الرغم من ذلك، فإن رفع العقوبات عن إيران بعد الاتفاق النووي سيتيح لإيران تحسين وضعها الاقتصادي وتخصيص موارد أكثر لدعم تنظيم "حزب الله". يزعم خصوم الحزب في لبنان أن تدخله في الحرب في سورية جلب تهديد تنظيم داعش إلى لبنان كما تجلى في الهجمات الانتحارية في بيروت، والقتال على الحدود السورية - اللبنانية، وفي وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان يهددون على المدى البعيد النسيجين الديموغرافي والسياسي الهشين في الدولة اللبنانية. يتسبب القتال الضاري والخسائر الفادحة بمشكلة تآكل مكانة الحزب لدى الرأي العام، ويتعرض الحزب إلى انتقادات حادة في الداخل بسبب إرساله شباناً شيعة للموت في سورية من أجل إنقاذ نظام الأسد فقط. وقد أصبح صعباً على الأمين العام لـ"حزب الله" الاستمرار في تصوير الحزب بأنه المدافع عن لبنان ضد إسرائيل، وهو يضطر في كل مرة ليشرح أن المعركة في سورية مصيرية من أجل الدفاع عن لبنان في وجه تنظيمي القاعدة و"داعش". إن تدخل "حزب الله" في القتال في سورية والعراق واليمن إلى جانب رعاته في طهران، حوله إلى عدو للسعودية وحلفائها. وألغت السعودية مساعدة مالية تبلغ مليارات الدولارات للبنان خوفاً من ذهاب المال إلى "حزب الله"، كما تشن السعودية حملة لنزع الشرعية عن الحزب. أدى التدخل العسكري الروسي في الحرب في سورية إلى منعطف في القتال لصالح الائتلاف المؤيد لنظام الأسد، وهذا ينطوي كما يبدو على مكاسب أيضاً بالنسبة إلى الحزب الذي ينتمي حالياً إلى المعسكر الذي يبدو متفوقاً في الحرب. لكن على المستوى الاستراتيجي، بروز التقارب بين روسيا والولايات المتحدة بشأن التوصل إلى حل للمشكلة السورية، ينطوي على خطر جوهري يتهدد مصالح الحزب. إن كل تسوية سياسية في سورية باستثناء استمرار السيطرة الكاملة لنظام الأسد، وهذا وضع احتمال تحققه ضئيل جداً، ستؤدي إلى نشوء نظام تشارك فيه قوى سورية معادية لـ"حزب الله"، وبالتالي من المتوقع أن تتضرر مصالح الحزب، ومن الصعب في هذه المرحلة تقدير مدى خطورة هذا الضرر. يبدو أن احتمال أن يبادر الحزب إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل بينما لا يزال القتال مستمراً في سورية هو احتمال ضئيل، سواء بسبب الوضع الإقليمي أو بسبب الردع الإسرائيلي. لكن يمكن الإشارة على الأقل إلى سيناريوهين لاحتمال نشوب حرب بين "حزب الله" وإسرائيل: 1- احتمال وقوع حادث خطير على الحدود (في سورية /أو في لبنان) يؤدي إلى التصعيد وإلى الحرب أيضاً. 2- بلورة تسوية سياسية في سورية تتيح عودة قوات الحزب إلى لبنان، لكنها من ناحية أخرى تضر بمصالح الحزب وبموقعه في لبنان. وفي سيناريو من هذا النوع قد يبادر الحزب إلى التصعيد في مواجهة إسرائيل لترميم مكانته. وعلى الرغم من تدنّي احتمال نشوب حرب في السنة الحالية، يتعين على دولة إسرائيل الاستعداد لتقديم ردّ على التحديات التي يطرحها "حزب الله" بسبب جسامة المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا الاحتمال بالنسبة للسكان والبنى التحتية الحيوية في الدولة، والتهديدات العلنية الصادرة عن الأمين العام للحزب حسن نصر الله. في مواجهة الترسانة الضخمة من الصواريخ التي يملكها الحزب ووجود صواريخ دقيقة الإصابة وذات رؤوس متفجرة كبيرة، من المهم أن نهيّئ الجمهور في إسرائيل لمواجهة المواصفات الجديدة للحرب المستقبلية التي ستكون مختلفة من حيث قوة الهجمات والخسائر وسط السكان المدنيين عن كل المعارك السابقة. إن التهديد الذي ستتعرض له مستوطنات الشمال من ناحية هجوم بري ومن ناحية هجوم بالقذائف الصاروخية، قد يفرض إخلاء موقتاً لجزء من سكان إسرائيل، وسيتطلب للمرة الأولى تقديم ردّ من أجل حماية البنى التحتية للغاز في البحر المتوسط ضد تهديدات مختلفة من جانب "حزب الله". لو نشبت الحرب ستسعى إسرائيل قدر الإمكان إلى تقصير أمد القتال وتقليص أضراره قدر الممكن. وليس هناك شك في أن التقدم الكبير الذي تحقق منذ 2006 على صعيد منظومة إسرائيل للدفاع الفعال، وفي طليعتها منظومة "القبة الحديدية" و"العصا السحرية"، سيوفران دفاعاً فعالاً للسكان والبنى الحيوية، لكن هذه المنظومات لا تستطيع أن توفر دفاعاً كاملاً في وجه الكميات الضخمة من الصواريخ والقذائف الصاروخية الموجودة لدى "حزب الله". وبناء على ذلك، ستضطر إسرائيل إلى أن تستخدم في لبنان قوة غير مسبوقة من الجو ومن البر أيضاً. وسيُطلب من الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية برية واسعة النطاق من أجل توجيه ضربة أكثر فعالية إلى قدرات إطلاق الصواريخ والبنى التحتية للحزب، وتدفيعه ثمناً باهظاً لردعه عن خوض معركة أخرى في المستقبل.
"معهد السياسات والإستراتيجيا في مركز هرتسليا"