النجاح لهم والحزن لنا وعلينا

c448aeb080f09e0074b678d0fd229ed9-jpg-78945244650141702
حجم الخط

ليس حدثاً عابراً نجاح المسلم من أصل باكستاني لرئاسة بلدية لندن، ولكنه ليس حدثاً غير مسبوق بالأهمية والمغزى، فقد سبقته في النجاح في موقع متقدم خديجة بنت عريب لرئاسة البرلمان الهولندي، وهي مسلمة مغربية لا تزال تحتفظ بجنسيتها الأصلية. وكلاهما صادق خان وخديجة لم ينجحا إلا بفعل عاملين، أولهما قدراتهما الذاتية التي جعلت منهما قيادات لدى الشعبين الإنجليزي والهولندي، وثانيهما أن المجتمعين والدولتين والناخبين لديهما لم يتوقفا أمام ديانتيهما وأصولهما، بل توقفوا أمام قدراتهما الفكرية والإنتاجية والسياسية، ولذلك نجح كل منهما في موقعه في أوروبا، وقد سبقهما العديد من الوزراء والنواب من أصول عربية أو مسلمة في العديد من البلدان الأوروبية، مثلما تحقق ذلك بشكل صارخ وديمقراطي وباحترام كبير لدى الولايات المتحدة الأميركية بدءاً من كوندليزا رايس وانتهاء بالرئيس أوباما نفسه، ما يدلل على نوعية هذه المجتمعات وتقدمها واحترامها للإنسان المواطن، وهذا يحدث عندهم لا عندنا. ولذلك علينا كعرب ومسلمين أن نخجل من نجاح صادق خان وخديجة بنت عريب ومن قبلهما علينا أن نخجل كثيراً من نجاح أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، فنجاح هؤلاء وغيرهم ليس بفضل قدراتنا كمسلمين وكعرب على إنتاج شخصيات قيادية لا فضل لنا عليها، بل يعود الفضل للمجتمعات الديمقراطية التي لا تتوقف ولا تبحث عن تصنيف أصل وفصل وديانة وقومية الإنسان ولا يعنيها ذلك، بل تتوقف أمام إمكاناته الذاتية، وطاقته على الإبداع، وخدمة مجتمعه وقدرته على الإنتاج !!. وحتى لا نذهب بعيداً، لعلنا نتوقف أمام عدونا، الذي نتمنى زوال احتلاله، وفشل مشروعه الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وسياسته العنصرية الفاقعة، ومع ذلك هنالك سبعة عشر نائباً عربياً في البرلمان الإسرائيلي، أربعة مع الأحزاب الصهيونية، وثلاثة عشر نائباً يعلنون جهاراً نهاراً عن هويتهم الفلسطينية، وقوميتهم العربية، ورفضهم للصهيونية ونضالهم ضدها، وأن أحمد الطيبي ليس فقط نائباً منتخباً من شعبه، بل هو نائب رئيس الكنيست، لأن التقاليد عندهم أن المعارضة يجب أن تكون ممثلة في مكتب رئاسة البرلمان وأن يكون نائب الرئيس من المعارضة، ولهذا من موقعه كنائب رئيس البرلمان قام بطرد أحد النواب الإسرائيليين اليهود حينما تمادى عليه، وأخل بالقانون وبالنظام ؟؟ هذا يحدث عندهم، وليس عندنا، ليس في بلادنا العربية والإسلامية، بل لدى المجتمعات الديمقراطية، والديمقراطية فقط !. هل يمكن مثلاً أن تكون ريما خلف أو سهير العلي رئيساً للوزراء أو مروان المعشر أو بسام حدادين ؟؟ وهل يمكن لعاطف قعوار أو جميل النمري أن يكونا في رئاسة مجلس النواب ؟؟ هذا هو التحدي وهذا هو الرهان لأن نتطور لمستوى وعي وثقافة المجتمعات الأوروبية والأميركية، وسلوكها ؟؟ هل نتصرف مع الأكراد والأفارقة والأمازيغ، باعتبارهم قوميات شركاء لنا في المواطنة في سورية والعراق والسودان والصومال وشمال إفريقيا العربي ؟؟ هل نتعامل مع المسيحيين واليهود كما نتعامل مع أنفسنا كمسلمين على نفس القاعدة والقيمة والمساواة ؟؟، فالعداء لدينا للاستعمار الأوروبي وللاحتلال الإسرائيلي وليس لليهود أو للمسيحيين الأوروبيين . يتوهم من يعتقد أننا نغزو المجتمعات الأوروبية والأميركية، فهؤلاء الذين تحولوا إلى قيادات هم من الأشخاص الذين يبدعون وينتجون ويخلصون لمجتمعاتهم الأوروبية والأميركية التي أعطتهم الريادة والموقع والمكانة اللائقة، ولم تحرمهم حقهم في المواقع المتقدمة وفي قيادة المؤسسات بسبب دينهم أو قوميتهم أو أصولهم أو لونهم، ولذلك نفرح لهؤلاء، ونحزن لأنفسنا، على حالنا، ونسأل : إلى متى سنبقى كذلك دون مستوى سلوك المجتمعات الديمقراطية المتقدمة ؟؟. استبشرنا خيراً حينما كان لدينا في الأردن قانون انتخاب يقوم على القائمة الوطنية، ونجح عندنا عاطف الطراونة مع خميس عطية، ورولا الحروب مع منير الزوايدة ونجح فيصل الأعور من الطائفة الدرزية، ولكن البشرى لم تتواصل والفرح زال، وتم إلغاء ما فرحنا لأجله، ولم يعد لدينا قائمة وطنية وعدنا إلى الهويات الفرعية والفرعية جداً ... ونحزن وسنواصل الحزن إلى ما شاء الله !! .