ما يجري «اقرب الى تبادل رسائل بين «حماس» وإسرائيل، وليس مقدمة لحرب، لا «حماس» ولا إسرائيل تريدان التصعيد». مثل هذا القول في جوهره، وان اختلفت الصياغات، قيل أثناء وخلال العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وعلى حدوده بالدرجة الأولى، وظل يتردد على لسان وفي تعليقات او كتابات معظم من تعاطوا مع تلك العمليات بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية وعن مواقعهم. وما زال نفس التعاطي مستمرا بعد ان هدأت حدة العمليات. ما يعطي مصداقية لهذا القول ان العمليات العسكرية قد بقيت فعلا في حدود الرسائل، إن لجهة اتساع وعدوانية وتدميرية الهجمات الإسرائيلية ومحدودية الضحايا البشرية التي أوقعتها، وان لجهة الرد العسكري الفلسطيني المقاوم والذي اقتصر على عدد محدود من قذائف الهاون لم توقع أي إصابة ولم تلحق أضراراً تذكر. التعاطي السياسي مع العمليات لم يختلف، بل جاء بنفس الوتيرة ليؤكد نفس الفهم بان ما يجري «أقرب الى رسائل متبادلة ....». إسرائيل وعلى أكثر من مستوى سياسي وامني أكدت بأن لا تخطيط ولا نية لديها لتوسيع العمليات العسكرية او تطويرها الى عدوان شامل على غرار ذلك الذي حصل عام 2014. حركة حماس بالمقابل، وفي اكثر من مؤشر وتصريح من مسؤولين اكدت على موقف ورؤية مشابهة. المؤشر الأول جاء في تغريدة للأخ ابو مرزوق عن نجاح الجهود المصرية في محاصرة الأمر لصالح تثبيت اتفاق الهدنة فيما بدا كنغمة رضا وترحيب. ثم تتالت التصريحات من قادة آخرين اهمهم الأخ إسماعيل هنية. إسرائيل بشكل عام مرتاحة الى وضع الهدوء على الحدود واحترام اتفاق التهدئة، والمتحدثون الإسرائيليون يدّعون ان «حماس» بعد عدوان 2014 «مردوعة»، وهي ليس فقط لا تطلق بنفسها الى داخل اسرائيل بل إنها تعمل على منع غيرها من الإطلاق، وان عدد الحوادث الإجمالي في حدود القطاع هو الأقل منذ اكثر من عقد» (إذا كان هذا صحيحا، فأين موقع خطاب المقاومة المسلحة بالتحديد ونبرته العالية؟). إذن ما هي خلفية تبادل الرسائل بين الطرفين؟ العنوان، ربما الوحيد، الذي يتردد، هو الحديث الإسرائيلي عن فرض ميزان ردع جديد، يقابله تأكيد من «حماس» على رفضها لهذا الامر ورفضها لأي حقائق جديدة تحاول إسرائيل فرضها على الأرض، او عبر ترجمتها الأحادية لاتفاقات التفاهم القائمة. لجهة «حماس» فإن خلفية رسائلها أنها لا تريد التصعيد الآن، يكمن أساساً عامل الوضع الجماهيري المخنوق والمحتقن في قطاع غزة وعدم تقبله لفكرة المبادرة الى تصعيد قد يؤدي الى عدوان واسع وضحايا ودمار وهو لم يخرج بعد من نتائج العدوانات الأخيرة. ثم يضاف إلى ذلك عوامل أُخرى منها: - تراجع، وربما سلبية، الوضع التحالفي لحماس، بالدرجة الأولى مع مصر وعدم نجاحها في تطبيع العلاقة معها للمستوى المطلوب، والاهم عدم نجاحها في دفعها الى فتح معبر رفح. وبالدرجة الثانية مع إيران. ودون ان تنجح تحالفاتها الأُخرى بالتعويض على هذين التحالفين. - استمرار الانقسام ومفاعيله شديدة الأذى عليها وعلى اهل القطاع، كما على الآخرين. إضافة الى تردي وضعها المالي. - ولا يمكن إلغاء احتمال ان يكون احد عوامل موقف «حماس» هو تطلعها الى إعادة الحيوية والزخم الى مشاريع التفاهمات والاتفاقات والمساومات المنفردة مع إسرائيل حول قضايا محددة علا الحديث عنها في الأشهر الماضية مثل الهدنة طويلة الاجل ومثل الرصيف البحري، والتي تمت بوساطات من بلير وقطر وتركيا، وكان توقفها بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي وصعوبة شروطه. اما لجهة إسرائيل، فإن العامل الرئيسي الكامن وراء عدم رغبتها بالتصعيد هو ارتياحها لوضع القضية الفلسطينية في موقع متأخر جدا في سلم اهتمامات الوضع العربي رسميا، وشعبيا أيضا، وليس من مصلحتها شن عدوان جديد يعيدها الى مقدمة الاهتمامات. لذلك فهي تحرص على التأكيد ان تقتصر عملياتها فقط على تدمير الأنفاق التي بنتها حركة «حماس» والمواقع المتعلقة بها وبإدارتها، بما يعزز امن مواطنيها، بالذات في المناطق الحدودية مع القطاع، وبما يقود أيضا الى فرض توازن ردع جديد. خصوصا وان العمليات تترافق مع تفاخرها بإعلان التوصل الى وسائل تكنولوجية تمكنها من كشف الأنفاق تمهيداً لتدميرها. لكن إسرائيل في نفس الوقت، تسعى الى استثمار عملياتها للتغطية وشد الانتباه بعيدا عن عناوين داخلية تقلقها، ولتجييرها لصالح التعامل مع موضوعات داخلية اخرى تقلقها ايضا مثل: - مواجهة الاتهامات التي يوجهها مراقب الدولة يعقوب شابيرا في تقريره المتوقع نشره قريبا حول عدوان 2014 على غزة الى نتنياهو ويعالون وبني غيتس( رئيس الأركان وقت العدوان) حول فشلهم في إدارة الحرب وفي مواجهة الأنفاق. والتقرير يتوقع له ان يثير جدلاً داخلياً إشكالياً واسعاً ويفضح الكثير من التقصيرات ومن دسائس طرائق العمل الحكومي. - مواجهة ما أثارته أقوال نائب رئيس الأركان الحالي يائير غولان من غضب عام، وبالذات في أوساط اليمين، حين قال «انه يلمس في المجتمع الإسرائيلي سيرورات تهز البدن وتثير الرعب كتلك التي حصلت في ألمانيا قبل صعود النازية». - مواجهة ما أثارته توجيهات إيزنكوت رئيس الأركان الحالي من غضب واسع حين اعلن قبل شهرين انه «لا يريد لجنوده ان يفرغوا خزنة سلاحهم في طفلة في الثالثة عشرة من عمرها تحمل مقصا» يبقى في البداية والنهاية ان دولة الاحتلال تقوم بعملياتها كجزء من طبيعتها الثابتة بالعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني، وكجزء من مهمتها في مواصلة وتشديد الحصار على قطاع غزة.
الهدمي: حكومة الاحتلال تستغل أعيادها للتصعيد في الأقصى
17 سبتمبر 2023