مستعد للتنازل عن «أرض إسرائيل لنا»/ مستعدة للتنازل عن «فلسطين لنا»

753-5020100
حجم الخط

نحن اثنان، شريكان غير مستاويين، واحد ابن مجتمع الاغلبية التي لها كل شيء، والاخرى هي ابنة أقلية ينقصها كل شيء تقريبا. ومع ذلك، نحن معاً من اجل مستقبل انساني عادل ومنطقي، لنا ولأولادنا. أنا عربية فلسطينية من مواليد اسرائيل، عائلتي تعيش هنا منذ مئات السنين. وقد فقدنا كل شيء تقريبا في العام 1948. والآن يوجد الكثير لنقدمه لاولادنا. أنا مسلمة علمانية وأهتم بأبنائي وبواقع الحياة الخاص بنا. وأحتفظ بذكريات آبائي ولا أنساها. ومع ذلك أنا لا أعيش في الماضي فقط. ففي هذه الايام لا أجد لحظة من الراحة والهدوء. لا تجد علمانيتي مكانا لها في الاجواء السائدة في العالم العربي. وأنا كعربية أفتخر بالانتماء الى الاقلية الحزينة، ويتم رفضي من قبل الاسرائيلية اليهودية المتعجرفة. وكمسلمة، الغرب القريب لا يأبه بي. أنا يهودي من مواليد البلاد، ترعرعت داخل أجواء الامتيازات: شاب اشكنازي وابن لعائلة صهيونية متدينة نبيلة، ومن منتخبي حزب العمل. وعندما كنت في الوسط الاسرائيلي المريح والكسول، كنت قد تنازلت عن نفسي. والآن حيث أرفض أن يتم التعامل معي بقبلية وبناءً على الجينات والعرق اليهودي أو الآفاق الدينية الضيقة، بقي ليل الكثير من الأسس التي يمكنني الوقوف عليها باستقرار وتوازن. نحن اثنان، نحن عشرات الآلاف، نحن قبل كل شيء بشر متساوون، رغم غياب المساواة. وبعد ذلك فقط بالنسبة لباقي الامور الاخرى نعرف أنه عندما خُلق العالم لم تكن هناك ديانات بعد، ولم تكن حدود، والتمييز لم يكن وُلد بعد. وقد قاموا بتسمية ذلك جنة عدن، ونحن نريد التقدم والذهاب الى هناك. أعرف أنهم لو قاموا بحبسي داخل تعريفات قاسية فسأضطر الى التنازل عن جزء من ذاتي، وأن أتحول الى مُطلقة مع بُعد واحد، وأن أحارب شريكي. لكنني التزم بكلمات محمود درويش: "اذا لم يكن هناك غريب في هويتي، فأنا لا أعرف نفسي. ويمكن أن أكون مُعرّفا فقط من خلال الديالكتيك بيني وبين الآخر. واذا كنت وحيدا بدون الآخر، فماذا أفهم؟ أنا ممتلئ بنفسي، كل الحقيقة لي". كل يوم أقوم بالشكر مجددا لوجود شريكي اليهودي. لأنه لولاه كنت سأسير وحدي وأنا مليئة بشعور أنني صاحبة الحق وليس عندي رحمة. نظرية هيلل المُسن هي ملخص هويتي. "الأمر الذي تكرهه محظور عليك أن تفعله لصديقك". وبشكل موسع أكثر حسب مارتن بوبر: "يجب أن تتذكر... كيف نظرت الينا باقي الشعوب... في كل مكان، كشيء غريب ودون. لا يجب أن نفعل للآخرين ما تم فعله لنا. يجب أن نضع أنفسنا في مكان الغريب، وأن نضع روحنا مكان روحه. ويجب أن أعترف: كم هو فظيع أننا لا نعرف العربي". كل يوم أقوم بالشكر لأن لي صديقة فلسطينية. لأنه لولاها لكانت انطفأت أحاسيسي الديمقراطية والانسانية منذ زمن. نحن نفهم أنه من اجل الاستمرار، معا وكل واحد على حدة، هناك امور يجب الحفاظ عليها، وهناك تنازلات نحن مستعدون لتقديمها، لأنه مقابل هذه التنازلات هناك اشياء أكبر بكثير. أولا، نحن نتنازل عن احتكار الألم والشعور بالصدمة. لا أحد منا يملكها وحده. فقد كانت هنا كارثة وكانت نكبة. ونحن لا نتنافس فيما بيننا من الذي عانى أكثر. فلكل واحد منا ألمه وذكرياته الخاصة به. نحن نتعلم من نقاط ضعف الآخرين، ونحترمها ونواسيه بألمه ولا ننكر أي شيء. لا حاجة لنا لاحتكار التواجد، ففي هذه البلاد يوجد مكان لنا جميعا. احيانا معا واحيانا بشكل منفصل. أتنازل عن "فلسطين لنا". وأنا أتنازل عن "ارض اسرائيل لشعب اسرائيل" فقط. السلام مكون من قطعة بازل، فيها الجزء الخاص بي والجزء الخاص بك، ينشئان صورة شاملة. لا يمكن صنع السلام من طرف واحد، مع أنفسنا فقط. السلام يُصنع بين الكمان والعود، بين أم كلثوم وحافا البرشتاين. أنا على استعداد لتمزيق الخيوط بيني وبين الواقع العربي الذي يحيط بي من اجل إعادة الصلة بالتاريخ الطويل للحياة المشتركة بين العرب واليهود. أنا على استعداد لأن أكون الجسر بين اليهودي والعربي. وأنا مستعد وأريد التنازل عن أجزاء من الطابع الاسرائيلي، الاشكنازي الاوروبي، المتعجرف وصاحب النمط الكولونيالي القديم. أنا ملزم بايجاد مكان للمُركبات العربية في هويتي. للعرب اليهود وميراث يهود الدول الاسلامية، بأن ينشئوا لنا جسورا واسعة نحو ثقافة هذا المكان. أذكر الفلسطينية التي كانت تُرضع أمي، وأم شاكر التي أنقذتها في الخليل. أنا أستمع الى أحفادي الصغار الذين يلفظون العربية. من الواضح لي أن احتكار التأثير والقوة بين البحر والنهر يمنع أن تكون الشراكة أكبر. إن هذا شيء غريب، وهو أن التقليل من شأني كيهودي يفتح أمامي عوالم مغلقة. وأنا ملزمة بأن أفهم في كل يوم مجددا انقسام المشاعر اليهودية. داخل حدود اسرائيل "التي لهم"، هم الاغلبية التي تدوس عليّ بلا مشاعر. أما في واقعي العربي، فأنا الاغلبية وهم الأقلية. وبسبب هذا هم يخافون ويعتدون، وهذا غريب، ولكنني أنا، بالذات أنا، استطيع تهدئتهم. نحن لا نريد وغير قادرين على التنازل عن الماضي المختلف والعنيف لآبائنا ولنا، ولا ننسى أي شيء ولو لحظة. ايضا لا نتنازل عن مستقبل أبنائنا، الذي سيكون جزء منه خاصا وجزء مشتركا. معا نلتزم بأن نفعل ما هو جيدا وأن نحارب كل واحد في معسكره ونخلق المجموعة الثالثة، الآلاف الذين يؤمنون بروح الانسان. نحن مجموعة المتنازلين عن المطلق من اجل التفاهم. الحياة والسلام لا نهاية لهما.