الطلاق كلمة مخيفة، تكشف عن خيبة أمل كبيرة، فأحبّاء الأمس يصبحون أعداء اليوم، يحسمون بداية رائعة بنهاية قاسية، يتراشقون الاتهامات، والضحية أبناء صغار يُحرمون من أحد الأبوين، في مقابل قلّة يتمسكون بنجاحهم كآباء وأمهات وإن فشلوا كأزواج، ويرسمون بعلاقتهم الودية الطيبة، رغم طلاقهم، الأمل في أن ينجح البعض في القيام بدورهم تجاه أبنائهم، وإن فشلوا في زواجهم.
مروة صادق: بعد الطلاق كان كل همي الحفاظ على والد ابنتيَّ
مروة صادق، رئيسة شركة تسويق إلكتروني، 36 عاماً، تزوجت من زميلها في الجامعة بعد قصة حب كبيرة، لكن ذلك الحب تلاشى مع العِشرة، مؤكدة أن مرآة الحب عمياء، والاختلافات الحقيقية لم تظهر إلا بعد الزواج. وتتابع: «خطوة الطلاق لم تكن سهلة على الإطلاق، واستغرق تفكيري بها أكثر من عام، إذ فكرت في كل شيء، ابنتيَّ وعملي وحياتي... كيف سيكون المآل بعد الانفصال، وأكبر خطأ وقعت فيه أنني لجأت في البداية إلى أهلي من أجل إتمام الطلاق، لكن سرعان ما اكتشفت الخطأ الذي كاد يقطع أواصر العلاقة، فكلتا العائلتين دخلتا في المشاحنات مما أدى الى تفاقم المشاكل... عندها لجأت إلى زوجي، وأكدت له أن العلاقة تخصنا وحدنا، وعلينا أن ننظّم انفصالنا كما يروق لنا ويناسبنا، حفاظاً على استمرار علاقتنا كأبوين لمصلحة البنتين».
وتضيف مروة: «تفاوضت مع زوجي على إنهاء الزواج بهدوء، وتنازلت عن العديد من حقوقي، مثل النفقة وغيرها، في مقابل ألا يشعر بأي مشاحنات أو مشاكل، فكل همي كان الحفاظ عليه كأب لابنتيَّ، ومثلما كنت زوجة تقدّر إمكانات زوجها المادية، كنت كذلك أمّاً صالحة، فلم أضغط عليه من أجل زيادة نفقات ابنتيَّ، حتى مع تحسن وضعه المادي، خاصةً أنني امرأة عاملة وأسست شركة تسويق إلكتروني بعد الطلاق».
وتوضح: «الشراكة في المسؤوليات المادية، وعدم اختلاق المشاكل، والإصرار على استمرار العلاقة كأبوين، كانت سر نجاحنا في ذلك، وأعتقد أن من الضروري أن يكون لدى طرف واحد على الأقل وعي بذلك، حتى يدفع بالعلاقة الجديدة إلى النجاح. مثلاً، بعد الانفصال بدأ طليقي يبتعد ولا يسأل عن البنتين، فكنت أبادر بالاتصال به وأسأله متى سيقضي معهما يوم العطلة، وبالفعل نجحت في إحياء العلاقة من جديد».
تؤكد مروة أن انفصال الزوجين ليس نهاية الحياة بينهما، خصوصاً إذا كان هناك أبناء، وبناء على ذلك عليهما أن يحافظا على العلاقة كأبوين من أجل الصحة النفسية للأبناء، وتقول: «طبيعة الطفل تقضي بأن يكون لديه بديل عندما يقسو عليه أحد الأبوين، وبالتالي كنت حريصة على وجود طليقي في حياة البنتين، وحالياً العلاقة بيني وبينه خالية من أي شوائب، كما لا أحمّله مسؤولية البنتين إلا في حال عدم وجود بديل آخر، فمثلاً قد أتركهما معه حين اضطراري الى السفر من أجل العمل، وهو مثال الأب الرائع».
في نهاية حديثها، تنصح مروة كل أبوين يوشكان على الانفصال، بضرورة ترتيب حياتهما معاً، والاتفاق على ملامح الحياة الجديدة من دون تدخل الأهل، مشددة على أن مشاحنات الأهل هي التي تفسد العلاقة، مما ينعكس سلباً على صحة الأطفال النفسية.
عبدالله السويسي: أطلقت سراح زوجتي بعدما لجأت الى المحاكم وحرصت على علاقة طيبة من أجل أولادي
على مدار أكثر من عشر سنوات، تولّى عبدالله السويسي، مصور، مسؤولية تربية أولاده الثلاثة، بعدما قررت زوجته الانفصال عنه ولجأت إلى المحاكم، ويحكي قائلاً: «ما أفسد علاقتنا الزوجية حب زوجتي الشديد للمال وتفضيله على حياتها الأسرية، فكانت تعقد المقارنات بينها وبين الأخريات. وفي إحدى المشاجرات التي اندلعت بيننا تركت المنزل وعادت إلى أهلها تاركة أطفالنا الثلاثة، وشرعت في رفع دعاوى طلاق ونفقة، وعلى أثر ذلك عادت إلى عملها كممرضة، فعملت بالشرع «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وأنهيت مشاكل المحاكم وانفصلنا بهدوء حفاظاً مني على الصحة النفسية للأبناء».
ويتابع: «ربيت ثلاثة أبناء، وقد أصبحت البنتان حالياً في المرحلة الجامعية والولد في المرحلة الثانوية، وأحطتهم جميعاً بالرعاية والاهتمام، ولم أشغل بال أمهم منذ أن تركت لي حضانتهم، وكنت أحرص على أن تراهم أسبوعياً وأن يذهبوا معها إلى المصايف، ويكونوا الى جانبها وقتما تطلبهم، فلم يكن هدفي أن أربي أطفالاً مشوهين نفسياً يكنّون الحقد والكراهية لأمهم، التي أصرت على تركهم وفضلت المال عليهم، بل حرصت على توطيد علاقتهم معها وأوصيتهم بها خيراً».
ويضيف عبدالله: «لم أتردد عندما طلبت طليقتي أخيراً ضم الأبناء إلى حضانتها مرة أخرى، فمنذ الانفصال والعلاقة بيننا ناجحة كأبوين».
محمد شوقي: التربية مسؤولية مشتركة حتى بعد انفصال الزوجين
أما محمد شوقي، طبيب أسنان، 45 عاماً، فيؤكد أن سبب انفصاله عن زوجته هو عدم قدرتها على التأقلم في العيش معه في إحدى دول الخليج حيث يعمل، فزادت المشاكل التي أدت الى الطلاق، ويقول: «حين الانفصال كنا على وعي بمصلحة الأبناء، واتفقنا على تنظيم أمور الحياة وتحديد النفقة، واتفقنا كذلك على ضرورة وجودي في حياة أطفالي الثلاثة، فكانت زوجتي تتحلّى بوعي كافٍ، وتحرص على أن تسير الأمور بهدوء».
ويتابع: «أمضي كل الإجازات مع أولادي، ولا أمانع في اصطحاب أمهم معنا في بعض الرحلات، فالعلاقة بيننا جيدة جداً كأبوين، وفي المشاكل تلجأ إليَّ وكأنني أعيش معهم في منزل واحد، كما أحرص على تعويض أبنائي عن غيابي، فمثلاً لا أتردد في الحصول على إجازة يومين أو ثلاثة بدون راتب حتى أحضر البطولات الرياضية معهم»... مؤكداً: «الذين يعتقدون أن الطلاق يعني الفشل الأبوي هم من يسعون إليه، فالتربية مسؤولية مشتركة وإن انفصل الزوجان».
سارة سيد: فعلت المستحيل للحفاظ على التوازن النفسي لابنتي
سارة سيد، سكرتيرة تنفيذية، 25 عاماً، تؤكد أن نجاح المطلّقين كأبوين أمر ليس سهلاً، خاصة إذا انتهى الطلاق بمشاكل كبيرة... وتحكي قصتها قائلة: «تزوجت على الطريقة التقليدية، والتي يطلق عليها البعض «زواج صالونات». لم يجمعني حب ولا تفاهم مع زوجي، لكنني عشت حياة روتينية سعيت فيها جاهدة من أجل الاستمرار، إلا أن اختلاف الطباع كان أكبر المعوقات، ونظراً الى التربية الشرقية للبنات فالطلاق أمر مستحيل، حتى بعد اكتشافي بخل زوجي، فهو لا يجد غضاضة في أن يتركني طوال النهار بلا طعام في المنزل، ورغم معرفتي بأنه مقتدر مادياً، كنت أخجل من الشكوى لأهلي أو لأهله بسبب تجويعي في منزله».
وتتابع: «مضى العام الأول على زواجي وأنا أتمالك أعصابي، ومن طريق الصدفة اكتشفت أنه مدمن، مما برر لي نوبات الهياج التي كانت تنتابه ويضربني بنتيجتها ضرباً مبرحاً، فأجهضت في الشهر الرابع من الحمل... كل ذلك تحملته حتى لا أحمّل أهلي عار طلاق ابنتهم، خصوصاً أنني ما زلت عروساً جديدة».
وتضيف: «في العام الثاني من زواجي، رزقني الله بابنتي سهيلة، لكن زوجي لم يكف عن ضربي أو يتوقف عن بخله، وكان اكتشافي لخيانته القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد وجدت على هاتفه محادثات مع نساء، مما أثار اشمئزازي منه، وعندما واجهته بالأمر ضربني حتى نزفت من أنفي، وعندما أخذت ابنتي البالغة من العمر خمسة أشهر، في الصراخ نتيجة خوفها من الصوت العالي، بدأ في ضربها، مما أثار غضبي وقررت الانفصال عنه واستنجدت بأهلي لينقذوني من ذلك الجحيم، وبناء عليه لم ننفصل باتفاق، بل رفعت دعوى خلع في المحكمة».
تؤكد سارة أنها بعد عام من الانفصال وحرمانها طليقها من رؤية الطفلة، نظراً الى امتناعه عن الإنفاق عليها، أعادت التفكير مرة أخرى، خاصة عندما بدأت طفلتها تنادي جدّها «بابا»، فشعرت بأنها تجني على الطفلة بحرمانها من أبيها، وتقول: «بعد محاولات مضنية مع طليقي، استجاب لرؤية ابنته، رافضاً الإنفاق عليها، لكنني لا أريد منه إلا وجوده في حياتها حفاظاً على توازنها النفسي، فقد فعلت المستحيل حتى يؤدي زوجي دوره في حياة ابنتي».
عبير الأنصاري: الآباء يستغلون الأطفال للانتقام... ونجاحهم كآباء وأمهات ثقافة نادرة
بعد نجاح عبير الأنصاري، مؤسسة جمعية «عودة الثقة الى المطلقين والمطلقات»، في تحقيق انفصال متحضر من دون خلافات، وباتفاق على رعاية مصلحة الأبناء، قررت نقل تجربتها إلى مجموعة أكبر من المنفصلين، أو من يفكرون في الانفصال، فأسست جمعيتها التي تهدف إلى استعادة البسمة والسعادة، وتجاوز الآثار النفسية السلبية للانفصال، سواء للزوجين أو الأطفال. وتقول: «المشكلة التي تواجه الأزواج في المجتمع الشرقي تكمن في عدم تفهمهم أو تقبلهم ثقافة الانفصال، واستغلال أحد الطرفين للأبناء من أجل كيد الطرف الآخر وتأديبه. فمن خلال أعضاء الجمعية، نجد بعض الرجال يستخدمون أبناءهم في الضغط المادي على الأم، ويرفضون الإنفاق على الصغير كنوع من التأديب للأم. وفي المقابل، تضغط بعض الزوجات على الأزواج بحرمانهم من رؤية الصغير، من دون الالتفات إلى مصلحة الطفل وحالته النفسية. لذا، نعمل في الجمعية على تقريب وجهات النظر بين الزوجين، وبناء ما يسمى بـ «الطلاق الصحي»، أي عمل المطلقين على مصلحة الأبناء في المقام الأول، وتقليص الآثار النفسية للطلاق على جميع الأطراف، في ظل مناخ من العلاج الجماعي ووجود أطباء وأساتذة جامعات، لا يفرقون في التعامل بين المطلق أو المطلقة، نظراً الى حاجة الجميع الى الدعم النفسي والاجتماعي المتواصل. وتلفت الأنصاري إلى أن وجود علاقة أبوية ناجحة بين الزوجين المنفصلين من الأمور الصعبة جداً والنادرة في المجتمعات العربية، والسبب هو غياب ثقافة الاختلاف مع الآخر، واعتبار البعض أن الاختلاف أو الخلاف يعني العداء، وبالتالي يكيد كل طرف للآخر، مؤكدة أن انتهاء الحياة الزوجية يلزمه المزيد من الوعي من كلا الطرفين بمصلحة الأبناء، والاتفاق على ذلك وتنظيمه قبل الطلاق، حتى نساعد على نشوء جيل من الأبناء مستقر نفسياً، لا يدفع ثمن اختلاف أبويه.
الدكتور محمد فكري: نجاح الشريكين كأبوين يقلص من حدّة الأعراض النفسية الواقعة على الأطفال بعد الطلاق
من الناحية النفسية، يؤكد الدكتور محمد فكري، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن عمل الزوجين على نجاح علاقتهما كأبوين بعد الطلاق يقلل من الأعراض النفسية التي تصيب الأطفال بعد الانفصال. ويوضح: «بعد الانفصال قد يصاب الأطفال بالشعور بذنب أنهم السبب في الطلاق، وأنهم كانوا سبب المشاكل والخلافات بين الأبوين، فينعكس ذلك على شكل أعراض تصيبهم، مثل الخوف والقلق، وقد يصل الأمر إلى حد الاكتئاب نتيجة معايشتهم الخلافات والأجواء المشحونة بين الأبوين، وشعورهم بانتهاء حياتهم الأسرية التي كانوا يحبونها، لكن حرص الشريكين السابقين على استمرار علاقتهما كأبوين ناجحين يمد الأطفال بالمزيد من الاستقرار النفسي، ويخلّصهم من عقدة الذنب، خاصة إذا ظهر الأب بشكل أكبر في حياة الأبناء، ولم يكتف بالزيارة الأسبوعية فقط، بل يشارك في حياتهم، كأن يصحبهم إلى الدروس أو تمارين النادي خلال الأسبوع». ويتابع أستاذ الطب النفسي: «نجاح المنفصلين كأبوين لا يتحقق إلا عندما يدركان أن الطلاق ليس نهاية العالم، وأنه بداية لمرحلة جديدة بعد استحالة العِشرة مع الخلافات المستمرة التي كادت تفتك بنفسية جميع أفراد الأسرة». ويلفت الدكتور محمد فكري الى أن عمل الشريكين المنفصلين على كونهما أبوين ناجحين يقلل أيضاً من أعراض الطلاق، فلا يتفاقم الشعور بالاكتئاب والوحدة واليأس، نظراً الى انشغالهما بالأطفال وانفصالهما بأسلوب صحي.
الدكتورة سامية خضر: نحتاج إلى ثقافة تربوية جديدة
في الجانب الاجتماعي، تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن العرف السائد في المجتمعات الشرقية هو العداء بعد الطلاق، وسبب ذلك خطأ في ثقافة تربية كلا الجنسين. وتقول: «ينشأ الرجل المصري على الخشونة وضرورة طاعة أوامره في المنزل، سواء كانت في مصلحة الأسرة أم لا، بينما تنشأ الفتاة على ضرورة الانكسار أمام الرجل، لكن مع ارتفاع سن زواج الفتيات وانخراطهن في سوق العمل، ازددن خشونة وأصبحن يتعاملن بصورة أكثر ندية مع الرجل، مما زاد من ارتفاع معدلات الطلاق، الذي وصل إلى حد العداء، ناسين أن الطلاق ليس نهاية الدنيا، وأنه من الممكن أن يكون بداية جديدة لحياة أطفالهما بلا مشاكل».
وتلفت إلى معايشتها الحضارة الأوروبية لفترة طويلة، وأن هناك فارقاً كبيراً في التعامل مع الخلافات الزوجية في الشرق والغرب، مؤكدةً: «في الغرب يتربى الأطفال منذ صغرهم على احترام رغبة الآخر، واختلاف الآراء والثقافات، فيكونون أكثر تعايشاً بعد الزواج وتقبلاً للاختلافات. أيضاً، عند وقوع الطلاق تُخصص للأطفال جلسات نفسية في المدرسة، ليتفهموا أنه ليس حدثاً جللاً ولا هو نهاية الكون، ليكونوا أكثر قدرة على التأقلم مع الحياة الجديدة بمساعدة الأبوين، وهذا عكس ما يحدث في مصر، حيث يحاول كل طرف الانتقام من الطرف الآخر من طريق الأطفال».
وتنهي الدكتورة سامية خضر حديثها بالقول: «ما زلنا في حاجة إلى ثقافة تربوية جديدة، لينجح المنفصلان في كونهما أبوين ناجحين، وهذا لا يتوافر إلا لدى شريحة تتمتع بثقافة عالية».