كثيرة هي مبادرات السلام التي اقترحت من أجل تسوية القضية الفلسطينية، ولم تنجح لأن الكيان الصهيوني لا ينوي غير ابتلاع كامل فلسطين. المبادرة الفرنسية التي يبحثها رئيس الوزراء الفرنسي حالياً مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، تهدف كما يقول صاحبها إلى دفع عملية التسوية في المنطقة. ولكن نتنياهو يرفض هذه المبادرة. لا يرفضها لأنه يظن أن فرنسا أو أي بلد غربي يمكن أن يضحي بمصالح الكيان، وإنما لأنها تتعارض مع جوهر الرؤية الصهيونية. ففلسطين بكاملها في نظر نتنياهو وعصبته تعود إلى اليهود.
أما لماذا فرنسا ومن معها من البلدان الغربية تعمل من أجل الوصول إلى تسوية تتضمن تنازلات من قبل الكيان، فلأنهم يرون أنه لا مستقبل للكيان من دون تسوية تعطي بعض الحقوق للفلسطينيين. هي الخشية على الكيان من حماقات بعض قياداته. وهذه المبادرة كغيرها لا يعرف أحد تضاريسها التفصيلية، ولا مرجعيتها. ولأنها تفتقد إلى المرجعية القانونية التي هي في الحالة الفلسطينية قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، فهي لن تكون في صالح الفلسطينيين.
الحد الأدنى الذي يكفل بعض الحقوق الفلسطينية يكمن في أن تكون الأرض التي تم احتلالها بعد عام 67 مناط السيادة الفلسطينية، وأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن يكون من حق من شردوا بالقوة من أرضهم أن يعودوا إليها. وهذه حقوق تعمل البلدان المساندة للكيان الصهيوني على تمييعها لأنها غير قادرة في الحصول على موافقة فلسطينية للتخلي عنها.
المبادرة تقوم على ما يبدو بالحصول على تنازلات في هذه القضايا الأساسية لأن من أطلقها عاجز عن إقناع قيادة الكيان الحالية بالرضوخ لمتطلبات الشرعية الدولية. ومع ذلك، فليست هناك أي ضمانة لأن يقبل الكيان بالتسوية حين يقدم الفلسطينيون التنازلات. وأي تنازلات جديدة ستكون هي البداية في أي مبادرة لاحقة. هكذا تعودنا من الكيان ومن داعميه. فالمبادرة الفرنسية تقوم على أساس قيام الدولة الفلسطينية، وكأنها هي منتهى آمال الفلسطينيين. لأن الدولة المقترحة قد تكون على قياس حقوق الفلسطينيين وقد تكون دون ذلك بكثير.
فقيام الدولة التي محتواها ملغوم بالمستوطنات والطرق الالتفافية، وفقدان السيادة على الموارد وعلى الحدود، هي غير تلك التي تمتلك كل ذلك.
وقيام الدولة التي ليس لها من القدس إلا الاسم ومن عودة اللاجئين إلا نماذج لن تكون تسوية، ناهيك عن أن تكون سلاماً. ومع ذلك فإن المبادرة الأخيرة حتى وإن لم تحقق أغراضها بالحصول على التنازلات الفلسطينية فهي تشتري الوقت كما سبق للكيان الصهيوني أن فعلها.