يبدو الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو في وضع صعب وهش على ضوء الخلافات بين رئيس الحكومة ووزير دفاعه موشيه يعالون على خلفية دعم الأخير لكبار قادة الجيش الذين بدؤوا بتوجيه انتقادات لسياسة الحكومة وبعض سلوكيات المجتمع الآخذ في التطرف والعنصرية، عدا تعبير هؤلاء القادة عن تقديرهم أن التسوية مع الفلسطينيين هي مصلحة إسرائيلية على عكس ما يريد نتنياهو وحكومته. ولكن التقديرات تشير إلى أن التوتر بين الرجلين ازداد بعد إجراء نتنياهو اتصالات مع زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ، ويظهر أن يعالون يشعر أن نتنياهو سيضحي به في سبيل تشكيل حكومة مع (المعسكر الصهيوني). وفي الواقع أن نتنياهو يريد الخروج من وضع يكون فيه ائتلافه على حافة الانهيار ويعتمد على مقعد واحد وصوت واحد في «الكنيست». نتنياهو في الواقع على درجة كبيرة من الخبث والذكاء وهو قادر على القضاء على خصومه السياسيين ومنافسيه داخل حزبه «الليكود» وفي الحلبة السياسية الإسرائيلية، ولا يبدو أن هرتسوغ أو غيره سيكون استثناءً، فقد فعلها مع أكثر من قائد مثل شاؤول موفاز وايهود باراك. والمشكلة التي يواجهها هرتسوغ عدا امكانية أن يقضي على مستقبله السياسي لأنه سيدخل الحكومة ولن يستطيع تغيير سياستها بشكل جوهري يبرر مشاركته بالحكومة، هي في كتلته (المعسكر الصهيوني) وفي حزبه (العمل)، فتسيبي ليفني زعيمة (الحركة) وشريكته في الكتلة هي وأربعة أعضاء من حزبها في «الكنيست» أعلنوا رفضهم القاطع للمشاركة في الحكومة. وفي (العمل) تعارض الرئيسة السابقة للحزب شيلي يحيموفتش وعضوا الكنيست ميكي روزنطال وعمير بيرتس الذي عاد مؤخراً للحزب وقطاعات مهمة مثل الشباب والنساء الانضمام لحكومة نتنياهو وهم يعتبرونها مقتلاً لحزب (العمل). الرشوة التي يقدمها نتنياهو لهرتسوغ هي مجموعة واسعة من المناصب الوزارية ونواب الوزراء ليتمكن هرتسوغ من اقناع معارضيه في الكتلة البرلمانية والحزب للمشاركة في الحكومة. وسيلجأ هرتسوغ إلى مؤتمر الحزب باعتباره أعلى سلطة قيادية فيه لأخذ القرار ويتوقع أن يحصل على أغلبية لأنه لا يزال يحظى بدعم المؤتمر وهناك عدد لا بأس به من أعضاء البرلمان يطمعون في الحصول على مناصب وزارية. ورغبة هرتسوغ في دخول الحكومة نابعة من اعتقاده أنه بشغل منصب وزير الخارجية سيعزز مكانته اقليمياً ودولياً وعلى المستوى المحلي كقائد لديه سياسة محددة. بالرغم من أن المحللين السياسيين في إسرائيل يشككون في قدرة هرتسوغ على تجاوز سياسة نتنياهو والالتفاف عليها. فالأخير لديه خبرة واسعة وهو لن يسمح لأحد بتجاوزه. ومن هنا جاءت خشية (العمل) من فخ الحكومة، حيث يقول المعارضون للانضمام إن هرتسوغ سيقدم خدمة كبرى لنتنياهو ويظهر كمن تنازل عن مبادئ ومواقف حزب (العمل). مطالب هرتسوغ تتعلق بتجميد الاستيطان وطرد (البيت اليهودي) من الحكومة، وبالنسبة للثاني قد يوافق عليه نتنياهو كونه بدأ يشعر بالعبء الكبير الذي يقع عليه دولياً نتيجة لمواقف وتصرفات (البيت اليهودي) وحتى هذا المطلب الصغير قد يكون صعباً لأن هناك أعضاء في «الليكود» ليسوا أقل تطرفاً من (البيت اليهودي) وقد يعارضون التخلي عنه. أما تجميد الاستيطان فهذا لا يوافق عليه «الليكود» ونتنياهو شخصياً، إلا إذا ناور نتنياهو بصيغة غامضة تتعلق بتجميد البناء في بعض المستوطنات. وبالنسبة للعملية السياسية فالاثنان يتفقان على أن الرئيس أبو مازن ليس شريكاً ولا يمكن التوصل إلى حل معه، وفقط إذا كانت المفاوضات جزءا من عملية تحسين صورة إسرائيل دولياً سيتم التعامل معها دون أن يكون لذلك أي تبعات على الحكومة الإسرائيلية غير المضطرة لتغيير موقفها الرافض لمرجعيات العملية التفاوضية. لهذا فالمعادلة التي سيدخل هرتسوغ على أساسها للحكومة هي تحسين وضعه القيادي بإنجازات شكلية والحصول على منصب وزير الخارجية مقابل إطالة عمر حكومة نتنياهو وتثبيت ائتلافه الحكومى. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يدخله (المعسكر الصهيوني) على الوضع في إسرائيل هو وقف الانحدار نسبياً في عملية التطرف العنصري والتحول اليميني ربما الفاشي في إسرائيل، إذا استبدل (البيت اليهودي) ووقف ضد سياسات الاتجاهات المتطرفة في الحكومة. ولكن بمقاييس الربح والخسارة سيكون الرابح الأكبر هو نتنياهو، والخاسر الأكبر هو حزب (العمل) الذي قد يتفسخ ويتعرض للانقسام بسبب الانضمام للحكومة، حيث سيعزز ذلك خط «الليكود» باعتبار أن سياسته هي الصحيحة، ومحاولة زعيم (العمل) هرتسوغ التقرب من اليمين لكسب أصواتهم ستقود إلى توجه قسم من الجمهور نحو اليمين باعتباره الأصل. وقد تستفيد من هذا الانضمام حركة «ميرتس»، إذ قد يتوجه قسم من ناخبي حزب (العمل) نحو»ميرتس» باعتبارها اليسار الصهيوني الوحيد، كنوع من رد الفعل على خيبة الأمل من سلوك قادة (العمل). وقد يكتشف هرتسوغ في نهاية المطاف أن مصيره ليس أفضل من مصير سابقيه موفاز وباراك اللذين حطمهما نتنياهو وقضى على مستقبلهما السياسي، وأسقط حزبيهما في الانتخابات العامة. والرهان الآن بالنسبة للمعارضين لخطوة هيرتسوغ هو على أعضاء حزب (العمل) لكي يردعوه عن خوض هذه المغامرة.