للمرة الأولى منذ سنوات لم تكن هناك اشتباكات عنيفة في ساحات الأقصى خلال أسبوع عيد الفصح. نسب رئيس الحكومة نتنياهو ذلك إلى قوات الشرطة الحازمة وإلى إخراج الشقّ الشمالي للحركة الإسلامية خارج القانون، بهدف الدفاع عن نفسه ضدّ الانتقادات اليمينية حول «المرونة» الأمنية التي ينتهجها. ولكن تختلف أسباب التهدئة الحقيقية، ومن المهم معرفتها ومعرفة دلالاتها من أجل النجاح في المستقبَل أيضا. إن تطوير التعاون بين إسرائيل والأردن هو سر النجاح. يجب تهنئة رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله لأنهما توصلا إلى التفاهمات الهادئة التي أبعدت السياسيين الإسرائيليين من منطقة الحرم القدسي الشريف، ومنعت التقييدات الواسعة على دخول المسلمين وفقا للسنّ أو الجنس، وقيّدت عددا من نشطاء «جبل الهيكل» الذي كانوا يزورون المكان كل يوم، وأبعدت عن منطقة الحرم القدسي الشريف نشطاء فلسطينيين عنيفين. يجدر الثناء على للوزير جلعاد أردان، مسؤولي الشرطة الإسرائيلية، ومسؤولي الوقف الأردني على هذا التنفيذ الناجح للتفاهمات ميدانيا. لم يصل راشقو الحجارة في الأقصى في السنوات الأخيرة من صفوف الحركة الإسلامية في إسرائيل، وإنما كانوا شبانا يعيشون في المدينة القديمة في القدس. مفتاح التهدئة في الحرم القدسي هو تجنّب فرض التقييدات الواسعة على دخول المسلمين وبالمقابل زيادة أعداد اليهود الداخلين. فحتى قوات الشرطة الحازمة، والتي اضطرت حتى إلى إغلاق المتاجر في شارع الواد في المدينة القديمة والتهديد المبطّن للشرطة بأن التجارة في الشارع كلها ستتضرّر كما تضررت التجارة في شارع الشهداء في الخليل، لم تكن فعالة. ثانيا، الخطوات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن، وعلى رأسها الحملة التي روج لها مؤيدو حركات «الهيكل» في الكنيست لتعزيز حقّ العبادة لليهود والسيادة الإسرائيلية في الأقصى عادت كالسهم المرتد على المبادرين إليها. سهلت الحملة، التي تم الترويج لها من دون تنسيق مع الأردن أو الفلسطينيين ووصلت ذروتها في السنوات 2012-2014، على المحرّضين في الجانب الفلسطيني الادعاء أنّ إسرائيل تسعى إلى الإضرار بالأقصى. من أجل الحفاظ على الهدوء اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تقييد دخول المتدينين اليهود الذين يسعون إلى زيارة المكان الأكثر قداسة بالنسبة لهم ومنع دخول السياسيين الإسرائيليين. إلى أن لا يتم تعليق حملة العبادة والسيادة بشكل مقنع سيكون صعبا جدا إصلاح هذا الظلم تجاه اليهود من دون المخاطرة في ردّ الفعل الشديد من الجانب الفلسطيني. ثالثا، الاحتجاج العنيف ليس فعالا. لم يمنع إلقاء الحجارة وإطلاق المفرقعات دخول اليهود المتدينين إلى الحرم القدسي، وقد لحقت بالفلسطينيين، وتحديدا بالمتظاهرين العنيفين، الاعتقالات ومنها الاعتقالات الإدارية. إن تشديد القبضة في المدينة القديمة والقدس الشرقية والخوف من تصرفات الشرطة التعسّفية أدى إلى ابتعاد غالبية سكان القدس الفلسطينيين عن المدينة القديمة في الأشهر السبعة الأخيرة. في المقابل، توثقت العلاقات بين الأردن وإسرائيل وتوسع دور عمان في إدارة حرم الأقصى، ما قد يكون لعنة في نظر الفلسطينيين، وخصوصا إذا تعمّق هذا الاتجاه. بل إن إسرائيل قادرة على الادعاء بأنّ التفاهمات بين رئيس الحكومة نتنياهو وبين الملك عبد الله تمنح مشروعية لسيطرتها على المكان (رغم أنّه انتهاك للقانون الدولي)، وخصوصا في كل ما قد يسمح بدخول اليهود إلى الحرم خلال الأعياد اليهودية. رابعا، أُثبِت أن عمل الشرطة ضدّ الأفراد، اليهود أو المسلمين، الذين انتهكوا قواعد السلوك في الماضي، أكثر فاعلية من منع وصول جمهور معين إلى الحرم. إن منع دخول القادة اليهود والمسلمين الذين يبنون لأنفسهم ثروة سياسية من إلهاب النفوس في المكان المقدس قد قلّص من التوتر والاحتكاك؛ ولم تجرّ التصريحات الحادّة وأحيانا التحريضية للشيخ رائد صلاح ومفتي السلطة الفلسطينية في القدس، الشيخ محمد حسين، وإلى جانبها استفزازات «معهد الهيكل» ونشطاء «الهيكل»، الى العنف من قبل النشطاء من كلا الجانبين، ولم تنتهك ضبط النفس الذي فرضته الحكومتان على نفسيهما. خامسا، يتضح أن تعزيز الدور الأردني في الأقصى فعال. تم في الأشهر الأخيرة تعزيز، كمّا وكَيْفا، حرس الوقف الأردني في الأقصى والفريق التشغيلي الذي يعتني بمهام الصيانة وإطفاء الحرائق. بالإضافة إلى التجنّب الإسرائيلي لإيذاء الفلسطينيين بشكل كبير، ما مكّن الأردنيين من أخذ دور أكثر فاعلية في الحفاظ على النظام العام في المكان. إن قرار الأردنيين تجنّب تركيب كاميرات في الحرم ساعد الوقف في الحفاظ على المصداقية إزاء سكان القدس الشرقية والعمل بفاعلية؛ فعندما بدأ العنف عالج رجال الوقف الحالة الوحيدة لإلقاء الحجارة تجاه باب المغاربة، بعد صلاة يوم الجمعة مباشرة، بنجاح. الأقصى هو مكان حساس جدا لليهود والمسلمين، والتفاهمات بخصوص إمكانية الوصول إليه لم تحلّ الخلاف العميق بين الجانبين. إنّ الهدوء النسبيّ الذي تم الحفاظ عليه خلال أسبوع عيد الفصح لا يدلّ بالضرورة على المتوقّع حدوثه في المكان خلال الأعياد اليهودية. إنّ الحوار السياسي، الديني، والاتفاقات المتبادلة هي الطريق الوحيدة للسماح بزيادة وصول اليهود إلى «جبل الهيكل» في الأعياد. ومن المفضل إشراك بعثة من التمثيل الفلسطيني من القدس الشرقية أو رام الله في النقاشات، فهي بالتأكيد ستضع الحقوق الناقصة الخاصة بها في المساحة الواقعة بين البحر والنهر كحجة مضادّة للحقوق الناقصة لليهود في الحرم القدسي. يمكن للهدوء والاستقرار اللذين تم تحقيقهما في الحرم القدسي في الأشهر الأخيرة أن يكونا أساسا مهما لاتفاقات مستقبلية حول إمكانية الوصول، العبادة، والسيادة في المكان على الأمد البعيد. وفق التواقين إلى «الهيكل» فقد زار «جبل الهيكل» 1015 يهودياً خلال أسبوع الفصح، بمعدل 200 يهودي في اليوم، وهذا يؤكد زيادة مقارنة بالعام الماضي. ولكن وصل لتلقي البركة الكهنوتية في «حائط المبكى» نحو 30 ألف يهودي في يوم واحد. كما في كل عام منذ العام 1967، أشار الإسرائيليون بشكل واضح وصريح إلى منطقة «حائط المبكى» باعتبارها موقع العبادة الرئيسي. إذا كان الماضي يدلّ على المستقبل، فهذا ما سيفعله أيضًا الـ 200 ألف مسلم المتوقع وصولهم إلى الأقصى خلال شهر رمضان القريب. كل من يرغب في الحفاظ على الهدوء في الحرم القدسي يمكنه أن يتعلم الدرس من عيد الفصح للعام 2016: تعاون وتنسيق يهودي - إسلامي، يساعد في التهدئة والاستقرار ليس أقل، وربما أكثر، من قوات الشرطة الحازمة.