جميل السلحوت " في بلاد العمّ سام "

thumbgen
حجم الخط

 صدر للأديب المقدسي كتاب جديد هذا العام 2016 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية تحت عنوان"في بلاد العم سام- من أدب الرّحلات، ويقع الكتاب الذي صمّم غلافه وأخرجه شربل الياس في 162 صفحة من الحجم المتوسّط.

في هذا الكتاب تحدث الكاتب عن جزء من مشاهداته في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وعن أماكن جغرافية ومعلومات تاريخية واجتماعية وسياسية وغيرها وفق ما شاهدها وعاشها، من خلال سلسلة من رحلات تجول خلالها في العديد من الأقطار، وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية .. وهو بذلك يكون قد أعاد لنا نبض ذلك النوع من الأدب الذي غاب عنا طويلا وهو ( أدب الرحلات) الذي أبدع فيه كثيرون قديما من الرّحالة العرب والأجانب أمثال: ابن بطوطة، المقدسي وفاسكو دي جاما وغيرهم ... وهذا التغيب لهذا النوع من الأدب ربما سببه التطور السريع في وسائل التكنولوجيا، الأمر الذي أصبح فيه السفر سهلا أمام الجميع، ممّا أدّى بدوره إلى التراجع في الخوض في مجال أدب الرحلات.

إلا أن الكاتب هنا كتب بأسلوب شيّق وممتع ومسلّ .. وغني جدا بالمعلومات التاريخية والجغرافية والوصف المبدع وغيرها.

تحدث الكاتب في كتابه هذا عن العديد من تجاربه كما شاهدها وعاشها متنقلا بين العديد من الولايات الامريكية، فعلى سبيل المثال ،في ( مدينة شيكاغو-ولاية إلينوي) حيث يقطن فيها ابنه قيس وزوجته ومولودتهما البكر ( لينا) .. حيث تحدث عن مستشفيات الولادة فيها، مركزا على عنصر النظافة اللافتة والترتيب والنظام، وشدة الاهتمام بالأمهات والمواليد. ص٨

تحدث أيضا عن ثقافة إهداء الكتب بين سكان الغرب حتى للمواليد الجدد منذ يومهم الأول. وكذلك الاهتمام بالموسيقى وسماع الجنين لها وهو في رحم أمه ص١٠، ومراسيم الاحتفال بالمواليد الجدد، مستذكرا بذلك تاريخ ميلاده الشخصي في ٥/٦/١٩٤٩حيث لم يكن الاحتفال بذكرى الميلاد ثقافة معروفة عند الغالبية في بلادنا، خصوصا وأن ذكرى ميلاد الكاتب يصادف نفس اليوم والشهر الذي شنت فيه اسرائيل عدوانها المشؤوم على ما تبقى من أرض فلسطين عام ١٩٦٧، وخلال الاحتفال بميلاد حفيدته لينا قارن الكاتب من خلال قصص واقعية مدى اهتمام الغرب بالعلم بالرغم من تقدم العمر، مقارنة بما هو موجود بشكل عام في بلادنا قائلا" حزنت على متقاعدينا الذين غالبيتهم لا يعملون شيئا سوى انتظار حتفهم "...ص ١٧

أمّا عن ولاية انديانا المجاورة لولاية الينوي فقد ذكر فيها ( المسلخ الاسلامي ) مقارنا فيه طريقة ذبح الأبقار بينها وبين بعض الدول العربية .. الأولى سهلة ولا يوجد فيها إيذاء جسدي للحيوان، أمّا الثانية فينهال فيها الجزّارون على رؤوس الأبقار بالضرب بالمواسير الحديدية حتى تنهار وتسقط فيذبحونها.

كما تحدث لنا عن الرّقية من الحسد للذكور دون الإناث، إيمانا بأن أحدا لا يحسد الإناث ص٨ وعن الشعوذة والهبل والاستهبال، وكأنه موجود عن كل شعوب الأرض ص22.

أبدع الكاتب في وصفه للعديد من الولايات الامريكية التي زارها وتجول فيها .. حيث العمران والشوارع العريضة والأرصفة المرتبة وأنظمة السير .. والحدائق الغناء والبرك والنوافير الجميله، والبط والسناجب والأرانب البرية التي تتجول بحرية، وأشجار الفاكهة المخصصة للزينة وللطيور، وأخري للبشر خصوصا في ( انديانا) وغيرها، وجمال الأحياء الراقية والنظافة العامة. ووصفه الجميل لشلالات نياجرا الساحرة في جنوب ولاية نيويورك ص ٨٩-92.

أمّا عن تجواله في هيوستن في ولاية ( تكساس) فقد تحدث عن أكبر مركز طبي فيها في العالم وعن وكالة ناسا أكبر مركز للعلماء، وكان يتحدث لنا بانبهار شديد عن ذلك التقدم العلمي الهائل، مقارنا ذلك بأسى وحزن بحال أمتنا العربية، التي تفوقت للأسف على العالم بعدد هزائمها والاقتتال الداخلي الذي يحدث على أرضها .. بعد أن كانت السباقة في الحضارة والعلم والاكتشافات .. إلخ ص32.

لم يغب عن بال الكاتب التحدث عن فلسطين التاريخية تحت نير الاحتلال .. حيث قام بذلك في قاعة إحدى مطاعم هيوستن، مركزا على ملف القدس ومعاناتها من التهويد والتدمير والمصادرة اليومية من قبل المحتلين.

في هيوستن وصف الكاتب بإبداع المركز الطبي العالمي الذي توفي في أحد غرفه أديبنا الكبير محمود درويش، ووصف متحفا للأطفال وجامعة هيوستن، وتحدث عن العواصف الماطرة الغزيرة الفجائية المدمرة هناك .. كما أعطى وصفا دقيق لمركز الجالية العربية في هيوستن وصالاتها وقاعاتها الواسعة، والتي تحمل إحداها اسم رجل الأعمال الفلسطيني الملياردير فاروق الشامي ... وفي هذا المجال ذكر الكاتب أن الكثير من العلماء العرب والمفكرين المهاجرين الى أمريكا للأسف لم يتمكنوا من التأثير على هذه الجاليات العربية. ولم يتمكنوا من التأثير على الرأي العام الأمريكي لصالح القضايا العربية وغيرها .. ومن هؤلاء المفكر الكبير ادوارد سعيد، المفكر هشام شرابي، . د. فاروق الباز وغيرهم.. وحتى رجال الأعمال العرب الأثرياء للأسف لم يستثمروا ثرواتهم في بلادنا .. مقارنة مع الجاليات اليهودية في الولايات الامريكية.

تحدث الكاتب بشكل عام عن الولايات المتحدة الامريكية وقوتها وتقدمها في كافة المجالات وسيطرتها على اقتصاديات العالم، ذاكرا في نفس الوقت أنها سبب تعاستنا وشقائنا كفلسطينيين وعرب .. فهي تدعم اسرلئيل من جهة وتسيطر على منابع بترول العرب من جهة أخرى، وقد دمرت العراق واحتلته عام ٢٠٠٣ وهي تقوم بتسليح وتمويل وتدريب جماعات الاٍرهاب المتأسلمة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها .. لتطبيق مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد)لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة. ..

كما تحدث أيضا في كتابه عن العرب في أمريكا، فمنهم من عمل وجدّ واجتهد وحقق طموحاته. ومنهم من ضاع وأضاع كل ما يملك على موائد القمار والمخدرات.

أجرى الكاتب مقارنة بين ثقافة التعددية في الولايات الامريكية على كافة أشكالها، إلا أنّ شعبها بالرغم من هذا التنوع والاختلاف الكبير يحترم بعضه ويحترم الآخر .. على خلاف بلادنا العربيه التي لا تزال لا تعرف كيف تحترم الآخر المختلف، ولا تزال لا تعرف أن الدين لله والوطن للجميع .. الأمر الذي أدى بِنَا الى الاقتتال الداخلي، وتدمير الأوطان والخيرات على عكس أمريكا التي عرفت كيف تبني دولة القانون وتحافظ عليها.

عرض الكاتب العديد من المعلومات التاريخية القيمة، على سبيل المثال : حديثه عن تاريخ نشوء الولايات المتحدة ص٧١واكتشاف القارة الأمريكية عام ١٤٩٢من قبل الرحالة الإسباني كريستوفر كولومبوس.

كما تحدث عن حريق شيكاغو ١٨٧١وعن مطار أوهيرو وميد واي المقام فيها، والذي انطلقت منه الطائرة التي حملت القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما ونكازاكي اليابانية.

ولم يفت الكاتب الحديث عن المدارس وأصنافها في أمريكا، وطرق التّعليم التي تعتمد على الاقناع، وليس على التلقين.

تحدث عن التمييز العنصري بين السود والبيض خصوصا في جنوب شيكاغو ص١٢٥/١٢٦

حديثه أيضا عن حادثة تفجير أيلول٢٠٠١ الذي حدث في برجي التجارة العالمية في نيويورك ص139.

حديثه عن الفلاسفة العرب أمثال الفارابي وعالم الكيمياء جابر بن حيّان وغيرهم مبينا اهتمام الغرب بالعلماء العرب، أكثر من اهتمام العرب أنفسهم بحضارتهم وتاريخ أمجادهم ص١٤٠/١٤١.

الكتاب بشكل عام فيه عرض مشوق لكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية والاجتماعية القيمة ... وفيه العديد من المقارنات القيمة بين الغرب وبلداننا العربية، والتي تحدث غصة في الصدر لدى القارئ العربي.

يبقى أن نقول أنّ عنصر التّشويق يطغى على أسلوب السّرد الانسيابي، الذي روى فيه الكاتب مشاهداته في هذا الكتاب، الذي يشكل إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة.