قد لا يذكر الكثيرون ان ثمة اتحاداً للكتاب موجوداً وقائما، إذ إن غياب الاتحاد عن الحياة الثقافية والفكرية كبير للدرجة التي بات فيه وجوده أمراً مشكوكاً فيه. ليس هذا الغياب بسبب انتهاء الاتحاد أو حله لا سمح الله ولكن بسبب عجزه عن القيام بمهامه كممثل وككيان شرعي يدافع عن الكتاب وينظم شؤونهم ويمثلهم في المحافل والمؤسسات. إن هذه المهام غائبة وغير موجودة، إذ أنه بالكاد يمكن للمرء ان يتلمس وجود الاتحاد إلا ربما إذا أصر البعض على وجود يافطتين للاتحاد واحدة في الضفة الغربية حيث مقر الاتحاد وواحدة في غزة حيث فرعه، وأصر أيضاً على وجود أمانة عامة مضى على انتخابها قرابة اعوام خمسة ولها أمين عام ربما.
وحقيقة الأمر أن كاتب هذه السطور عضو في الأمانة العامة التي لم يسبق لها أن التئمت مجتمعة سواء داخل الوطن أو خارجه كما تفعل الأمانات العامة لبقية المنظمات الشعبية. وربما ولتوخي الدقة فإن الاجتماع الوحيد الذي عقدته الامانة العامة كان عبر الفيديو كونفرس قبل قرابة أربع سنوات ولم يحضره اعضاؤها كافة وتم بسبب رغبة الامين العام الزميل مراد السوداني تمرير اتفاق توصل إليه دون الرجوع للأمانة العامة حول توحيد الإتحاد مع فرع دمشق. وفي ذلك الوقت عارض جميع اعضاء الامانة في قطاع غزة الاتفاق لانهم رأوا فيه اجحافاً بحق الإتحاد وخاصة فرع غزة، واللبيب بالإشارة يفهم.
بجانب ان الامانة العامة في غزة لا تعرف شيئاً عن الاتحاد في الضفة الغربية ولا في الخارج. فقط الأمين العام يقوم بتمثيل الاتحاد في كل شيء من معارض الكتب حتى اتحاد الكتاب العرب حتى ورش العمل والمؤتمرات. بعض أعضاء الامانة العامة في غزة خرجوا مرة أو اثنتين في مهام أيضاً لم تشاور الامانة العامة فيها وكانت على سبيل الترضيات الفردية، فيما أعضاء الاتحاد الذين كان يجب على الأمانة العامة ان تمثلهم وتقوم بالعمل على مصالحهم وتفضيلهم على نفسها فلا علاقة لها بشيء. الأمر محض إرادة فردية تتم إدارتها عبر علاقات فردية دون عمل الجماعة والمؤسسة.
كما أن الاتحاد خلال الخمس سنوات الماضية لم يطبع كتاباً واحداً في غزة. بالطبع ثمة ما يطبع في رام الله ربما، انا لا اعرف ولا أحد في غزة يعرف لأن الامانة العامة كجسم وكيان موحد غير موجودة فعلياً. كما أن أحداً لا يعرف شيئاً عن تقارير الامين العام التي طالبنا فيها أكثر من مرة دون جدوى. القصة بالطبع أكبر من ذلك. القصة فعلاً ان ثمة تغييب وتدمير لمؤسسة عريقة كانت في لحظة معينة واحدة من اهم مؤسسات العمل الثقافي والتحرري والحضاري. كانت مركزاً للتنوير وحاضنة للثقافة، وليس مجرد يافطة، إذا ما سالت لماذا لا تفعل سيق لك مليون تبرير وعذر، تعرف انها لا تعدو كونها تبريرات ولزوم ما لا يلزم.
وربما للإنصاف باستثناء تلك النشاطات التي تقوم بها لجنة النشاطات في الإتحاد وبالتعاون مع الجاليري وبعض الفعاليات الثقافية، حامية بذلك ماء وجه الاتحاد، فإن الموت والخواء يصيبان الإتحاد. الغريب في الأمر أن كل هذا لا يحرك ساكناً في أحد. ورغم كل الاستغاثات والنداءات التي تم توجيهها فإن الامانة العامة في غزة في واد والامين العام في واد آخر. حتى خلال زيارة الامين العام لغزة ضمن وفد نقابي عربي لم يكلف نفسه عبء الاتصال باعضاء الأمانة العامة للالتقاء بهم ومناقشة هموم الإتحاد او ربما حتى للاطمئنان عليهم ورؤيتهم بعد عدوان إسرائيل الهمجي على القطاع عام 2012 حيث كانت الزيارة التضامنية.
فالدور التاريخي للإتحاد الذي كان شعاره "بالدم نكتب لفلسطين" وكان يشكل الحارس الأمين على القلم الفلسطيني والموهبة الفلسطينية، لم يعد موجوداً، إذ ان الشعور بالغربة وبعدم الرضا هو ما يمكن لشخص عضو في الإتحاد أن يحس به. حتى أن الإتحاد لم يعد نقابة بأبسط التعبيرات دون الانتقاص من الدور الهام المنوط بالنقابات في الحياة العامة. حيث أن هذه الحياة العامة او الحيز العام بين الفرد ومؤسسات الدولة- وفي هذا السياق بين الكاتب والدولة – الذي يملأه الإتحاد جاف وطريق غير معبدة
لقد أصبت بالغصة مما كتب صديقي وزميلي في الامانة العامة الشاعر سليم النفار يوم امس وهو كلام لا يختلف عما أقوله هنا. يقول النفار: "في ذات الوقت الذي يقوم الاتحاد , وبيت الشعر وكافة المؤسسات الثقافية في الشق الاخر من الوطن , بكافة اعمالهم وكأننا غير موجودين ...نحن غير معنيين بسماع تبريرات , لأن المسؤول لا يجوز له فعل التبرير , عليه أن يجترح الوسائل الكفيلة بحل مشاكل الناس , على الصعيد الثقافي وسواه من الصعد المختلفة ,وعليه فان مشهدنا الثقافي هذا الذي نعتز به , يضيع بين العام والخاص ويفقد خواصه التي تصلبه ,وتجعل منه مكونا رئيسا في تحصين المجتمع ,أمام الهرطقات الدخيلة والثقافة السوداء ...وعليه فان القوى الفاعلة في المؤسسة الفلسطينية مطالبة بالإجراء المناسب الذي يحمي المثقف ويعزز من دوره ومكانته ,واعتقد انها لن تعدم الوسيلة , ولن تضل السبيل لو ارادت".
صحيح أن الديمقراطية لا تأتي بالأفضل دائماً وهي ليست بلا مثالب، وربما وضع الاتحاد وأمانته وامينه العام دليل على ذلك، لكن ميزة الديمقراطية من حكم أثينا وصولاً لتنظيرات توكفيل الباهرة حتى روبرت دال وغيرهم من المعاصرين أنها دائماً تعطي فرصة ثانية للمواطنين لكي يقرروا إذا ما كنت خياراتهم صائبة. ومن هنا فإن دورية الانتخابات هي شرط وجود العملية الديمقراطية. وإذا كان الامر كذلك فإن دورة الأمانة العامة هي عامين وقد مضي عليها استحقاقان ونصف ولا ثمة انتخابات في الافق. يبدو حقاً أن الاتحاد "غايب فيلة".
عن جريدة "الأيام "