حين يتدخل الرئيس

77269005-d2f5-4922-9b61-f41cdc8d908a
حجم الخط

ليس ثمة مجال للربط بين مناسبة تشغيل محطة لتوليد الكهرباء بالحديث السياسي، لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أراد أن يغتنم الفرصة للإدلاء بحديث سياسي مهم يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. منذ سنوات طويلة، لم يصدر عن المؤسسة الرئاسية المصرية حديث في هذا الموضوع بمثل هذه الجدية، وبمثل هذه اللغة المباشرة. قد لا تكون الأوضاع الداخلية المضطربة في مصر، مناسبة لتقدم الدور القومي المصري تجاه القضية الفلسطينية، لكن طبيعة الرسالة الموجهة لإسرائيل والإسرائيليين، كأنها تنطوي على تحذير من أن عليها وعليهم ألا يفوتوا الفرصة أمام إمكانية تحقيق السلام ورؤية الدولتين. الحديث عن استعداد مصر لرعاية مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يكتسب أهمية فائقة، تقررها طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل المحكومة لاتفاقية كامب ديفيد، وتمنح مصر القدرة على التأثير في السياسة الإسرائيلية، التي تتوخّى الحذر إزاء أي إمكانية لتوتير العلاقة بين الطرفين تؤدي إلى التأثير سلبياً على التزامات مصر تجاه الاتفاقية المذكورة. أدّعي شخصياً أن إسرائيل تهتم بالعلاقة مع مصر كأولوية بعد أولوية علاقتها بالولايات المتحدة الضامنة لوجود إسرائيل وأمنها وتفوقها، ولذلك فإن رسالة الرئيس السيسي لإسرائيل لا يمكن أن تكون مجرد صرخة أو همسة في واد سحيق. يمكن لإسرائيل أن تجاهر وبصفاقة برفض المبادرة الفرنسية وأن يرسل نتنياهو لرئيس الوزراء الفرنسي، ما اعتبره البعض رسالة توبيخ، لكنه لا يستطيع أن يفعل الشيء ذاته مع الرئيس السيسي. إذا لم تستجب إسرائيل لنداء الرئيس المصري فإن قادتها سيشعرون بالقلق، ولذلك فإن نتنياهو سرعان ما أن رحّب بدعوة الرئيس السيسي معتقداً أن هذه الدعوة تنسجم ورغبة إسرائيل في إعادة الفلسطينيين إلى المفاوضات الثنائية، وإنها ستؤمن له مخرجاً للالتفاف على المبادرة الفرنسية. في الواقع إن مصر لا تطرح نفسها بديلاً للمبادرة الفرنسية والدور الذي يقوم به المجتمع الدولي، والأرجح أن دعوة الرئيس السيسي، تستهدف إعلان تأييد مصر للمبادرة الفرنسية، ما يضيف إليها وزناً نوعياً، يرغم الإسرائيليين على التفكير في موقفهم من المبادرة الفرنسية. وكما المبادرة الفرنسية فإن دعوة الرئيس المصري تأتي في وقت مناسب، لتقدم لإسرائيل الفرصة الأخيرة، قبل أن يصبح تحقيق السلام مستحيلاً بسبب الأطماع الإسرائيلية التي تتجاهل إرادة المجتمع الدولي والإقليمي والعربي الفاعلة. مع الأسف الشديد، فإن الرئيس الفرنسي اضطر إلى تأجيل موعد انعقاد المؤتمر الذي كان مقرراً نهاية هذا الشهر، ودون أن يحدد موعداً آخر، أما التبرير الذي قدمه فإنه عذر أقبح من ذنب. لا يصدق أحد في هذا الكون أن تأجيل الموعد مفتوح على الصيف، سببه عدم قدرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على حضور المؤتمر في هذا التوقيت، والأرجح أن فرنسا اضطرت للتأجيل تحت ضغط إسرائيل والذي يترافق مع تحفظات لواشنطن، التي تريد شراء المزيد من الوقت ربما لإدخال تعديلات على المبادرة وآلياتها بما يرضي إسرائيل. الشق الثاني من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، تضمّن دعوة للفلسطينيين لإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، مبدياً استعداد مصر، لرعاية الحوار الفلسطيني الفلسطيني. كنت أتمنى لو أن الرئيس السيسي، ضمّن حديثه قراراً بفتح معبر رفح، الذي يشكل إغلاقه المستمر جزءاً من مأساة سكان قطاع غزة، وإلى حين إتمام المصالحة. عودة مصر لرعاية ملف المصالحة الفلسطينية هذه المرة ينطوي على جدية بالغة، فالإعلان والاستعداد، يصدر عن قمة السياسة المصرية، ولم يعد كما كان بيد الأجهزة الأمنية، وذلك أن مثل هذا الاستعداد يعكس استعداداً مصرياً لضمان نجاح المصالحة وحمايتها في حال تعرضت لانتقام إسرائيل التي تجد مصلحتها في بقاء الانقسام. صحيح أن حركتي «فتح» و»حماس»، رحّبتا فوراً بدعوة الرئيس السيسي للمصالحة، ولكننا نعتقد أن على الطرفين أن يستعجلا في اغتنام الفرصة لتجديد الحوار، والحوار الوطني الشامل وليس الثنائي. أقل ما يمكن أن يفعله الطرفان الآن وفوراً هو وقف الحملات الإعلامية ووقف النشاطات المعادية من كل طرف للآخر بما في ذلك الاعتقال السياسي. بعد ذلك مطلوب من الطرفين أن يبديا استعداداً للتراجع خطوة حتى يمكن أن تتقدم الحالة الفلسطينية خطوتين، وتقديم كل ما يمكن أن يساعد على تحقيق مصالحة حقيقية وشاملة. دعوة الرئيس السيسي توفر الفرصة لرفع مستوى التفاؤل ذلك أن الأطراف الفلسطينية المعنية لا يمكنها أن ترفض أو تتجاهل هذه الدعوة، ولا يمكنها، أيضاً، تحمل المسؤولية عن فشل المصالحة، حين يكون راعيها الرئيس، ذلك أن تداعيات الفشل خطيرة على كل الأطراف الفلسطينية، التي لا ترغب حقيقة في أن تجد نفسها على خلاف شديد مع مصر الكبيرة.