الحكومة الإسرائيلية تترنّح على وقع المبادرة الفرنسية

497
حجم الخط

في العادة لا نجد نحن الكتّاب والصحافيين والمتابعين للشأن الإسرائيلي ما يكفي من الوقائع والمعلومات كما هو الأمر بالنسبة للكتّاب والصحافيين الإسرائيليين.
وفي كثير من الأحيان نجد الكتّاب والصحافيين الإسرائيليين على «علم ودراية» بالشأن الإقليمي أكثر منّا نحن الذين يُفترض أن نكون على درجة أعلى منهم على هذا الصعيد. لكن هذه المرّة ونحن نتحدث عن «القنبلة» التي فجّرتها القاهرة وأعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لا نجد في الصحف الإسرائيلية ما يكفي للقول إن هذه الصحف لديها ما تقوله بهذا الشأن أو إن لديها ما يكفي من المعلومات الخاصة.
وأما المصادر الصحافية المصرية والفلسطينية فلم تفصح عن خلفية «القنبلة» المصرية واكتفت كل الأوساط المعنية بهذا الشأن بالترحيب بهذه الجهود حتى الآن.
في ظل النقص الشديد في المعلومات الدقيقة حول هذا الموضوع لا يتبقى لنا سوى الدخول في دائرة التحليل القائم على التكهن والربط والاستنتاج. لذلك لا بد من التنويه إلى أن خاتمة هذه المقالة لا بد وأن «تذيّل» بعبارة «والله أعلم».
القصة ربما تكون قد بدأت بالزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة في الأسبوع الماضي، وأغلب الظن أن هذه الزيارة قد انطوت على محادثات أكثر أهمية وعمقاً وخصوصية مما أعلن من نتائج في نهايتها.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن المصادر الفلسطينية أشارت في حينه وقبل الزيارة إلى أن المحادثات المرتقبة بين الرئيسين ستكون على درجة كبيرة من الأهمية.
لم يعلن في نهاية الزيارة نتائج خاصة، وهو الأمر الذي يرجّح أن الإفصاح عن «النتائج الخاصة» قد أرجئ إلى مواعيد لاحقة وأنه قد تم الاتفاق على ذلك بالفعل.
وربما تكون زيارة العاهل السعودي إلى القاهرة قبل ذلك قد تطرقت إلى هذا الأمر، وترك الأمر للبحث التفصيلي بين الزعيمين الفلسطيني والمصري بالتوافق مع العربية السعودية.
المهم والمؤكد أن المبادرة الفرنسية كانت المدخل المباشر لهذه الجهود المرتقبة للقاهرة.
فبعد إعلان نتنياهو رفضه لهذه المبادرة أعلنت باريس أن الاجتماع التمهيدي سيعقد على الرغم من معارضة نتنياهو ـ وإذا ما جردنا الموقف الفرنسي في هذا الشأن من أصول اللياقة واللباقة الدبلوماسيةـ يصبح الموقف الفرنسي على الشكل التالي: الإجماع سيعقد رغم أنف نتنياهو....!
الولايات المتحدة لم تعارض عقد الاجتماع ولم تنتقد الموقف الفرنسي من التصويت على قرار الـ»يونيسكو» بشأن المسجد الأقصى، وطلبت إرجاء عقد الاجتماع التمهيدي لكي يتاح للولايات المتحدة فسحة للحركة السياسية، وحتى يتمكن كيري من حضور الاجتماع.
معظم المحافل الدولية أعلنت تأييدها للمبادرة وللاجتماع، وأبلغت معظم الدول الأوربية إسرائيل بأنها تؤيد عقد المؤتمر الدولي للسلام، وبعضها نصح إسرائيل بعدم رفض المبادرة. هنا دخل المعسكر الصهيوني على خط «الدخول» إلى الحكومة لأن نتنياهو اصبح أمام خيارين لا ثالث لهما.
فإمّا أن يستمر بالرفض وقد يؤدي هذا الرفض إلى «عزلة» دولية خانقة، بل يمكن أن يؤدي تشديد المعارضة الداخلية و»إفلات» بعض القوى داخلها من قبضة نتنياهو، وإما أن يراوغ بالقبول بها ولو من حيث الشكل وهو الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى انفراط الائتلاف القائم وتصبح الحكومة في مهبّ الرّيح.
ولأن كل سياسات نتنياهو قائمة على أساس استمرار تحكمه بالمشهد السياسي والبقاء على سدّة الحكم في إسرائيل فإن الخيارات بدأت تضيق أمامه بصورة غير مسبوقة.
في الواقع أصبح نتنياهو أمام حكومة إما هي مدعومة من ليبرمان وهذا له ثمن، أو أمام حكومة مدعومة من المعسكر الصهيوني وهذا له ثمنه أيضاً.
قد تكون الجهود المصرية هنا قد دخلت على الخط لتجد لنتنياهو المخرج الذي يبحث عنه. فهو على ما يبدو ما زال يتذرع بالضغوط التي يتعرض لها من قبل الأوساط الأكثر يمينية في هذه الحكومة، كما يتذرع بعدم «رغبة» المعسكر الصهيوني دخول الحكومة لكي «يساعده» على التعاطي مع الجهود الدولية المبذولة.
هيرتسوغ بدوره استغل هذا الحراك لإعادة طرح دخوله إلى الحكومة وتذرع بهذه الجهود بالذات وليس بغيرها، وهو مستعد لهذا الدخول ولو زاحفاً على أربع، كما عبّرت عن ذلك بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية.
قبل يوم الإثنين القادم، (أي قبل «التئام» جلسة الكنيست على المعسكر الصهيوني أن يحدد موقفه دون لبس أو غموض، وحينها ستكون المسألة إما المعسكر الصهيوني أو ليبرمان، وسيكون نتنياهو ـ على كل حال ـ في وضع لا يُحسد عليه.
في ظل الخلافات مع «يعالون» ومع «غولان» ومع أوساط أخرى في الليكود، وفي ظل «غضبه» من «بينيت» ومن أوساط أخرى في الحكومة فإن ساعات نوم نتنياهو أصبحت قليلة هذه الأيام، ويبدو أن الهموم التي تراكمت فوق رأسه أصبحت ثقيلة بالفعل على الرغم من كل «براعته» المعهودة في التلاعب السياسي.
المشهد السياسي في إسرائيل يترنّح ولكن المراهنات على إحداث تغيير من خلال دخول هيرتسوغ إلى هذه الحكومة مجرد أوهام.
التغيرات والتحولات التي شهدتها إسرائيل في السنوات الأخيرة أكبر وأعمق من أن يوقفها تبدل هنا واستبدال هناك في تركيبة الحكومة الإسرائيلية، والتنكّر للحقوق الفلسطينية ما زال هو سيد الموقف، والمنحدر الإسرائيلي ما زال على نفس الوتيرة، بل هو مرشح للمزيد من الانحدار، ولكن ومع ذلك فإن الجهود المصرية المعلنة، والتي تم الترحيب الكبير بها هي جهود مطلوبة وتصبّ في مصلحة فلسطين طالما أن المواقف الفلسطينية صامدة في التمسك بالحقوق الوطنية وفق قرارات الشرعية الدولية. 
يبدو أن الجهود المصرية هي تعبير عن رؤية إقليمية عربية منسقة مع أطراف دولية فاعلة، ويبدو أنها جاءت في لحظة سياسية من ارتباك المشهد الإسرائيلي، وربما تكون مخرجاً مناسباً «للأميركان» وللعرب ولكل الأطراف.
على ما يبدو فإن اتصالات معينة قد جرت مع هيرتسوغ من قبل أطراف عربية ودولية، وعلى ما يبدو فإن الرئيس الفلسطيني يرى نفسه قوياً في وسط هذه الجهود وفي مواجهة نتنياهو الذي يبدو أنه الأضعف في هذه المعادلة، ولذلك المعلن حتى الآن هو القليل القليل من هذه الجهود إذا ما تمت الأمور وفق «المخطط» لها.
هناك «حيلة» ما تم اللجوء إليها  (لا أعرف تفاصيلها)، ولكن هذه الحيلة ستنطلي على كل الأطراف بمعرفتهم وبرضاهم وبرغبتهم، أيضاً، والله أعلم.
قلنا إننا لا نخسر شيئاً من الحراك السياسي في المنطقة طالما أننا متمسكون بحقوقنا الوطنية بل العكس تماماً هو الصحيح أما إسرائيل فلديها ما تخسره من هذا الحراك.
إسرائيل تطالب بالأمن والعرب من خلال مبادرة السلام العربية يوفرون لها هذا المطلب لكن تحقيق مطلب الأمن لا يمكن تحقيقه إلاّ بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق الشرعية الدولية وقد تكون الحالة العربية الراهنة بحاجة إلى الإفصاح الكامل عن استعداد العرب لهذا الأمر بثمن لا يقل عن الدولة المستقلة. فهل ستذهب الأمور من خلال المؤتمر الدولي للسلام للوصول إلى مناقشة جادة لهذه المسألة وللمرة الأخيرة قبل تحول القضية الفلسطينية إلى ساحة صراع مفتوح؟! وهل تحول هذا الصراع المفتوح سيوفر الأمن لإسرائيل؟ هل حان وقت تحمّل المجتمع الدولي لمسؤوليته قبل فوات الأوان؟
ربما يكون ذلك وراء هذا الحراك، والله أعلم.