شفيق التلولي " ذاكرة جُرح "

9999466085
حجم الخط

واستيقاظ ذكرى الجرح من مخدع النسيان؛ أفز من قيلولتي قبيل رحيل الشمس إلى ما وراء المدى، أتحسس معصمي، أين ساعتي؟

ساعتي توقفت هناك قبل أعوام الرمادة، لا أعرف التوقيت الذي توقفت فيه بالضبط، لكنني أحفظ ذاكرة الجرح، أحفظها عن ظهر نبض، النبض الذي أذكر بأنه كاد أن يتوقف ذات قنص، لم أنتبه لساعتي يومئذٍ وأنا مُلقى على قارعة الخطف، ربما سقطت أو عساها اقتُنصت، هاك المنبه يشير إليّ بأنها سقطت من جيوب الزمن، ودارت عقاربه وما انفكت تدور، تدق ناقوس الذكرى وتعود بي إلى الوراء، حيث توقفت هناك يوم أن تحسستُ ركبتي؛ لم أجدها، أكلها القناع، انزلقت إلى القاع، قاع المدينة التي أفسدها عشاق الموت ورائحة الدم والبارود؛ فسقط القناع، وخيم الظلام، وحطت شهوة الدم المسفوح بحد سيف أعمى، وبندقية طرشاء، أغمد الجلاد ذبابه في صدر الخريطة؛ قصم ظهر الطير، صار جناحين، واحدٌ ركلته موجة انفلتت من بحرها، وآخر تناثر تحت شجرة زيتون عتيقة، شاخت في أرضٍ بور؛ فاض البحر من ملحه، وهوى بن فرناس يذوي في قاع المدينة، لا طائر يحلق بلا أجنحة، لا ركبة عادت تجثو مرتعدة ولا لوركا عاد عن مطاردة نجمة لقصيدة شاردة من زمان الأندلس إلى أن اكتمل نصابها على حد المقصلة، عقدٌ من الزمان شارف على ملح القصائد والدجى، وانفرط كعقارب ساعتي التي وقعت من على حافة الزمن، هناك بجانب ركبتي، يوم أن سُحقت برصاص مقنع، لم ير غير تفاصيل عتمة الليل وتذوق لذة الدم، كان عليه أن يقرأ لعنات عكازيّ في قصائدي المتقافزة على سلم موسيقى الوجع بين شكوٍ وبكاءٍ وأنين، قبل أن يأكل مني ما أكل،

وأذكّر العابرين على جرحي إن نفعت الذكرى، بأنني ذات ذاكرة جرح أعلنت لصاحب القناع عن عفوي وصفحي؛ لعله يعيد النور إلى المدينة التي أعياها الظلام؛ فتبرأ ركبتي، لكنني عبثا عفوت وصفحت؛ فلا الفجر لاح ولا حط العويل والنواح؛ وظلت ساعتي معلقة على حائط ذاكرة الملح، وركبتي تئن كلما نكأ الملح الجرح على وقع الحراب المرفوعة، وما زال في العمر بقية للفرح بعيد ميلاد جرحي يوم أن تُقتلع شهوة الشوكة التي خدّرت ظهر المدينة، وتكُف البنادق الضالة في رحلة تخاريف الربيع المُر عن اصطياد الزهر وقنص النوارس واغتيال البحر.