قصة غرام نتنياهو مع هرتسوغ وليبرمان !

20161905215536
حجم الخط

لولا النفوس المعتملة، لكان يمكن التعاطي مع خطاب الرئيس المصري (عبد الفتاح) السيسي عن استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، كخطاب السادات التاريخي، الذي دعا فيه نفسه لزيارة اسرائيل. 
ولكن بالطبع ليس هذا هو السادات ولا بيغن، بل مهزلة شرق أوسطية اخرى، نكتة غير ناجحة اخرى على حساب مصيرنا. ما بدأ كخطوة سياسية انتهى بخطوة بناء سياسي داخلية، سرقت كل الاوراق. خليط ليبرمان ونتنياهو لا توجد له معطيات أولية من أجل الوصول الى مفاوضات مع الجامعة العربية في القاهرة.          
خطاب السيسي، مثلما خطاب السادات في حينه، سبقته فترة عدة اشهر جرت في اثنائها اتصالات بين الطرفين من خلف الكواليس. 
هذه المرة قادها مبعوث رئيس الوزراء، المحامي اسحق مولكو، مع رجال السيسي في القاهرة. 
يتبين ان التوقع المصري باستمرار الوضع الراهن بين اسرائيل والفلسطينيين هو رؤيا الآخرة. 
فبتقديرهم، ستنهار السلطة وستفقد "حماس" الحكم لصالح جهات اكثر تطرفا في قطاع غزة، وهذه حقيقة ستكون لها آثار جسيمة على الأمن وعلى الاستقرار في سيناء وفي مصر ذاتها.
وعليه، فان لمصر مصلحة في استئناف المبادرة المصرية، التي عرضت بعد حملة "الجرف الصامد"، وتتحدث عن مؤتمر للدول العربية المركزية، المؤيدة للغرب، تؤدي الى خطوة مزدوجة: استئناف الحوار بين اسرائيل والفلسطينيين، وفتح حوار متعدد الجوانب يخرج من الخزانة شبكة العلاقات الاستراتيجية الطويلة التي بين اسرائيل وبين دول عربية في مسائل مثل الصراع ضد "داعش" وايران ويوثق التعاون الاقليمي في هذا الصراع.     
من الجهة الاخرى، في اسرائيل، فان مصلحة رئيس الوزراء هي محاولة سحب البساط من تحت ما يفهم بأنه خطوة اوروبية – أميركية منسقة، هدفها فرض تسوية على اسرائيل والفلسطينيين، باسناد قرارات مجلس الأمن. 
وفي مكتب رئيس الوزراء يؤمنون بأن هذه الخطة توشك على الخروج إلى حيز التنفيذ في تلك الاشهر التي يكون فيها الرئيس الأميركي الجديد منتخبا ولكنه لم يتسلم بعد مهام منصبه، هكذا بحيث يكون بوسع اوباما ان يفعل ما يشاء، مثل رؤساء آخرين في اواخر ولاياتهم.
وبالتوازي، يوضح جهاز الامن في اسرائيل للقيادة السياسية بأن ما يحصل الان في "المناطق" هو هدوء وهمي. 
فكل الظروف التي أدت الى موجة "الارهاب" الأخيرة موجودة على الأرض، ومن شأنها أن تتفجر بقوة متجددة في رمضان. 
هكذا حيث إن لاسرائيل مصلحة واضحة في خلق زخم حول استئناف المفاوضات، حتى وان كان ظاهرا، من أجل منع استئناف العنف. 
اما السلطة الفلسطينية، من جهتها، فترى في امكانية استئناف المفاوضات ولا يهم من خلال من، الفرنسيين، المصريين او غيرهم – قشة يتعلقون بها كي يعطوا أملا ما للجمهور الفلسطيني وكسب مزيد من الوقت في الحكم.
الاتفاق بين مكتب رئيس الوزراء ومكتب الرئيس السيسي تحدث عن ان يبادر الرئيس المصري الى توجه علني لاستئناف المفاوضات، ويسحب نتنياهو اعتراضه على المؤتمر الاقليمي لاستئناف المفاوضات، وعندها يبدأ المكتبان بتنسيق المؤتمر. 
وهذا بالتأكيد ترتيب مريح للجميع، وذلك لأن المؤتمر الاقليمي ليس ملتزما بتسوية دائمة في السنة – السنتين القريبتين. سيجلسون ويتحدثون 3 – 4 سنوات عن خريطة طريق ويؤجلون النهاية.
ولكن ماذا؟ كي يشتري نتنياهو بطاقة دخول الى مثل هذا المؤتمر عليه ان يأتي بمهر صغير، بالحد الادنى، في الموضوع الفلسطيني، الامر الذي يسمح للرئيس السيسي بأن يبرر وجود المؤتمر ودعوته الى مصر. 
هذا يمكن أن يكون، مثلا، تعهدا بتجميد البناء في المستوطنات لفترة زمنية معينة. ولكن من أجل مثل هذه الخطوة فان نتنياهو ملزم بأن يبني ائتلافا يسمح له بتنازل ما في "المناطق". 
هكذا وحدة قصة الغرام مع هرتسوغ. اما هرتسوغ من جهته، فلا يصمد امام اغراء الشراكة في الخطوة التاريخية لمؤتمر دولي لحل مشاكل المنطقة مع العالم العربي، وهو الحلم الرطب لزعماء حزب العمل على اجيالهم.
توقيت نشر توجه السيسي العلني أملاه نتنياهو. وعملت الخطة كالساعة السويسرية. ونشر نتنياهو وابو مازن بيانات تأييد، كما هو مخطط. 
وعندها جاءت لذعة نتنياهو: هرتسوغ بدأ يطلق اصوات الانضمام الى الحكومة، بدأت تظهر مصاعب في المعسكر الصهيوني، وعندما هجم نتنياهو على ليبرمان.
من هنا فصاعدا كانت سرقة الاوراق: لن يكون مؤتمر في القاهرة، التوتر في "المناطق" سيتصاعد، مصر ستبقى محبطة، والسيسي تلقى درسا آخر: كان عليه أن يفهم بأنه عندما يتحدث عن السياسة وعن التسوية السياسية، في اسرائيل يتحدثون عن السياسة الداخلية وعن البقاء الشخصي.