لم تفرح إسرائيل كثيراً لتأجيل مؤتمر وزراء الخارجية التمهيدي للمؤتمر الدولي في باريس في شأن التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فقد تقرر عقده في الثالث من حزيران المقبل. وهكذا، فإن التأجيل الذي طلبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لدراسة أمر المشاركة في المؤتمر كان لثلاثة أيام لا أكثر. ومن الجائز جداً الاعتقاد بأن قرار كيري المشاركة في المؤتمر بهذه السرعة يعود إلى جملة التطورات الداخلية الإسرائيلية التي تقود إلى تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع.
وأكدت الخارجية الأميركية أن رئيسها، جون كيري، سيحضر مؤتمر وزراء الخارجية الذي سيمهد للمؤتمر الدولي، وسيحدد جدول أعماله ومعايير الحل السياسي للمسألة الفلسطينية على أساس حل الدولتين. ويشكل قرار كيري المشاركة نهايةً للآمال الإسرائيلية بموت المبادرة الفرنسية التي جرت محاولات إسرائيلية للالتفاف عليها بعد إعلان الرفض المتكرر لها. غير أن الموافقة الأميركية على المؤتمر تشكل ورقة ضغط إضافية بيد الأسرة الدولية على إسرائيل التي تمارس منطق العربدة في كل ما يتعلق بالاستيطان ورفض التقدم نحو حل الدولتين.
ومن المقرر أن يعقد المؤتمر الدولي وفق المبادرة الفرنسية في الصيف المقبل وقبيل الخريف، ما يعني أن الهامش المتاح هو بضعة شهور ينبغي فيها لإسرائيل أن تحدد وجهتها: مع الرياح الدولية أم على عكس اتجاهها. وواضح أن للقرار الأميركي أهمية، خصوصاً أنه اتخذ بعد لقاء كيري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي لا بد أنه يشعر بالغضب جراء المناورة السياسية التي أجراها ضده بنيامين نتنياهو.
وبحسب مصادر أميركية، فإن كيري نسّق أمر اللقاء مع السيسي على عجل بعد التطورات الأخيرة، وبينها خطاب الرئيس المصري عن فرصة السلام. وأشارت وسائل الإعلام المصرية إلى أن السيسي ووزير الخارجية الأميركي أبديا تأييدهما للمبادرة الفرنسية، واتفقا على منح ضمانات للإسرائيليين والفلسطينيين إذا دخلا العملية التفاوضية مجدداً.
كما قام كيري بالاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وأبلغه تأييد إدارته للمبادرة الفرنسية. ومعروفٌ أن السلطة الفلسطينية رحبت بالمبادرة الفرنسية رغم رفض إسرائيل لها.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت قد أعلن على هامش لقاء حلف «الناتو» في بروكسيل أن اللقاء على مستوى وزراء الخارجية سيعقد في الثالث من حزيران، وأن «التاريخ الذي أعلنه اليوم يسمح للجميع بالمشاركة». وبديهي أنه كان يقصد على وجه التحديد أميركا وروسيا اللتين تشكل مشاركتهما نوعاً من الضمانة بنجاح المبادرة الفرنسية.
وكان مقرراً أصلاً أن يعقد لقاء وزراء الخارجية في 30 أيار، لكن بناء على طلب أميركا تقرر تأجيله. وظن كثير من الإسرائيليين أن تأجيل المؤتمر مقدمة لإعلان وفاته قبل أن يولد، لكن الأمور لا يبدو أنها كذلك. وفي كل حال، يرى المراقبون في إسرائيل أن موافقة كيري على حضور لقاء باريس لا تعتبر بشرى سارة لنتنياهو وحكومته. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد حاول التأثير على قرار كيري واتصل به هاتفياً يوم الثلاثاء الماضي معرباً عن معارضته الشديدة لمؤتمر باريــس والمبادرة الفرنسية.
وبعد لقاء آيرولت مع كيري، أعلن الأخير تأكيد مشاركته، قائلاً إنه «ليس بالإمكان فرض محادثات السلام على إسرائيل والفسطينيين. ينبغي للطرفين أن يقررا متى هما مستعدان للدخول للمفاوضات». وشدد كيري على وجوب أن يعمل الطرفان على تليين مواقفهما والتوصل إلى تسويات من أجل تحقيق السلام. وقال كيري في مقر «الناتو» في بروكسيل إن الولايات المتحدة لم تخفق في محاولاتها حث العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، «فالفشل كان نصيب الطرفين اللذين لم يفلحا في العودة إلى طاولة المفاوضات». وشدد كيري على أن لمصر دورا هاما في محاولات استئناف العملية السلمية مباركاً خطاب السيسي عن السلام. وأكد أنه سيعمل مع فرنسا وأي جهة دولية أخرى تحاول استئناف العملية السلمية.
ومعروفٌ أن لقاء وزراء الخارجية هذا في باريس سيتم من دون مشاركة الوفدَين الإسرائيلي والفلسطيني، ولكن ستحضره الدول العظمى ودول هامة أوروبية وعربية وآسيوية. ويعتبر اللقاء مؤتمراً تمهيدياً لمؤتمر القمة الدولي الذي سيعقد لاحقاً. ومن المقرر أن تشارك في لقاء وزراء الخارجية حوالي 20 دولة قامت الخارجية الفرنسية بتوجيه الدعوات رسمياً لها.
وكانت ترددت أنباء أن روسيا وأميركا لم تكونا راغبتين في مؤتمر فرنسا، ليس لأسباب تتعلق بفحوى المؤتمر، وإنما لأن فرنسا قررت عقده من دون التشاور الجدي معهما. وربما كان هذا بين الأسباب التي دعت كيري إلى طلب تأجيل المؤتمر بحجة الدراسة ولكن لإثبات الحضور. وليس مستبعداً أن التطورات الأخيرة في إسرائيل وتوسيع الحكومة لتغدو أشد يمينية من ذي قبل وإيصال أفيغدور ليبرمان لمنصب وزير الدفاع غيرا بعض الشيء من نظرة كيري.